Saturday, December 22, 2007

النص التشريعي و التاريخ

في ورقة كتبها المستشار البشري، يطوف بنا القاضي و رجل القانون الفيلسوف حول علاقة النص التشريعي و النص الإخباري و علاقة كليهما بالتاريخ. هذا النظر هو واحد من مباحث فلسفة القانون و منهجيته التي تدرس بكليات الحقوق. غير أن الورقة تضيف و تزاوج بين النص التشريعي الديني و الوضعي على السواء في مسار عرض الفكرة.

تساؤلات بعد قراءة متمهلة

يقول البشري في مطلع ورقته "يتعامل رجل القانون دائما مع نصوص" مفترضا أن تعامل رجل القانون إنما يأتي لاحقا على صياغة النص بنوعيه كما قسمهما سابقا إلي نص تشريعي و آخر إخباري.
هل ينسحب هذا النظر على المدارس القانونية المختلفة؟ بمعني هل تستوى في ذلك الأنظمة اللاتينية المعتمدة على نصوص تشريعية مع الأنظمة الأنجلوسكسونية المرتكنة إلي السوابق القضائية التي يشتبك فيها النص الإخباري مع القاعدة ذاتها؟

التساؤل الثاني يمس الفقه الإسلامي و المقصود بالنص الذي أشار إليه البشري، هل يقصد به النص القرآني و الحديث؟ أم أن النص يتسع ليشمل النظر الفقهي الموروث علي شكل اجتهاد السلف؟
التساؤل الآخر المتعلق بالنص و الفقه هو مدى اعتبار الفتوى الشرعية قاعدة عامة؟
 
التساؤل الأخير يخص توقيت تعامل رجل القانون مع النص. هل هو دائما تعامل لاحق؟ أحيانا يكون النص إخباريا لا تحكمه قاعدة أو نص تشريعي عام هنا يتدخل القانوني و يجتهد في حل قانوني بل ربما في صياغة قاعدة قانونية و هو دور يقوم به أحيانا القاضي و هو دور عد به القضاء واحدا من مصادر القاعدة القانونية.

أمام هذه التساؤلات، يبدو أن النص و علاقته بالتشريع و الحل القانوني يطرح عدد من الاشكاليات التي تحتاج إلى إلمام و وعي رجل القانون أو الفقيه. لذا أجد أنه من المستحسن الإشارة إلى النظر للقاعدة القانونية بشكل يتجاوز حدود النص ليشمل ما يدور حوله من نطاق زمني و مكاني و شروح و تطبيقات. فالنص ليس واحدا و هو يتفاوت في مراتب الثبات و القطعية بل أحيانا هو عارض يحول دون النظر و التجديد. فالتعامل مع النص ينبغي أن يكون واعيا إذ قد يتراوح بين طرفين: أولهما، قدسية النص و التزام حرفه و ثانيهما روح النص و الغرض منه. علي كل تبقى الحاجة إلي النص كحد أدني يعطي القانون و القاعدة القانونية مرتكزا و مرجعا يدور حوله النظر و التطبيق.  

Saturday, December 08, 2007

سيبويه يحتضر

قرأت اليوم
و تصادف أن كنت قد سطرت ما خطر لي منذ يومين لكن لم أكن بعد قد رفعته إلي المدونة.
لكندا لغتين رسميتين و هما الإنجليزية و الفرنسية طبقا لما نص عليه الدستور الكندي. تصدر القوانين و المراسيم باللغتين و يتحدث الساسة و أعضاء البرلمان اللغتين. و يتعامل المواطنون مع جهات الادارة بأي من اللغتين. لكن في مقاطعة كيبك و نظرا لاعتبارات تاريخية و ثقافية صدر قانون عام1977 ينص على أن اللغة الرسمية بالمقاطعة هي الفرنسية رغم كون المقاطعة جزءا من كندا، على الأقل حتى صباح اليوم!
تسألني، لماذا؟
باختصار، تسكن المقاطعة أغلبية فرانكوفونية أي ناطقة بالفرنسية لكن هذه الأغلبية تعد أقلية في محيط هائل انجلوفوني في وسط بقية المقاطعات الكندية و الولايات الأمريكية. لذلك تعتز هذه المقاطعة بلغتها الفرنسية و تبذل جهدا محموما للحفاظ على لغتها و تميزها. من ذلك مثلا، يجب على المهاجرون الجدد ارسال أولادهم لتلقي تعليمهم بالفرنسية، كذلك لممارسة الغالبية العظمي من المهن و الوظائف يلزم اتقان الفرنسية بل ربما ينجح المرء اختبارات و يحوز شهادات ثم يجد نفسه غير مقبول لممارسة مهنة ما مثل الطب لعدم اتقانه الفرنسية، حتى مع نقص الاطباء بالمقاطعة.
هناك اعتقاد سائد بعلاقة متينة تجمع القانون و رجاله باللغة العربية و بلاغتها. إذ تميزت لغة القانونيين بالفحولة و الأصالة و دلل على هذا تميز جموع من الرعيل الأول في مجالات الأدب و البيان. لكن هذا التميز بات مهددا و بقوة.
بيد أن الناظر اليوم يمكنه أن يقول دون تردد أنه قد خلف من بعدهم خلف أضاعوا اللغة و فرطوا فيها. ترى ما السبب؟
هل كان لضعف مستوى تعليم اللغة العربية بالمدارس الحكومية؟ هل هو عدم مواكبة منهج التعليم و تأخر تطوير أساليب الشرح؟ أم هو اعتماد التلقين و افتقار الدراسة إلي اتقان الأساسيات و تحجيمها لانطلاق التعبير شفهيا و خطيا؟
أم كان لانتشار مدارس اللغات يدا آثمة في هذا المجال؟ أم هو الاهتمام بتحديث كل شيء ليكون إنجليزيا، فتكون كلية حقوق إنجليزي و فرنساوي؟ هل التحديث و الانفتاح على ثقافات أخرى يكون على حساب الأصول و الذات؟
قلة هم من يستطيعون أن يقرعوا لوحة حواسبهم و الكتابة باللغة العربية، حتي من لا يتقن منهم التعبير بالانجليزية يكتب العربية بحروف لاتينية!!
يكفى أن تسير في الشوارع لتلحظ انتشار الكتابة بغير العربية بشكل يدعو للحسرة.
انتشار المطبوعات المصرية الصادرة بالإنجليزية، صباح اليوم اكتشفت اعلانا لمجلة اسمها what's up! magazine.
ماذا نفعل لنحمي لغتنا و ذاتنا؟
إبان دراستي للماجستير كان أحد موضوعات الدراسة يتناول قوانين التلفزة و البث الإذاعي و كان مما يلفت النظر أن الاتحاد الأوروبي و ما قام عليه من فلسفة حرية اطلاق التجارة و التبادل البيني بين دوله، إلا أنه لم يمنع هذه الدول أن تمارس حقها في الحفاظ على هوياتها و ثقافتها. بل كان مدفوعا و بخاصة من فرنسا إلي تبني ما يعرف بالاستثناء الثقافي في ظل اتفاقيات التجارة الحرة الجات. هذا الاستثناء الذي يمنح المنتج الثقافي وضعا خاصا حتي مع الاعتراف ببعده التجاري و المالى أحيانا. فالكتاب و الوسائط الالكترونية و الرقمية التي تحوى أفلاما و ملفات صوتية و كذا برامج الإذاعة و الأغاني هي منتجات تباع و تشترى. غير أنها منتجات ليست كغيرها إذ لبعدها الثقافي تتمتع ببعض الحماية و تخضع لقواعد خاصة الغرض منها حماية الثقافات و اللغات. مثلا رغم أن حرية الرأي و التعبير تعد من الحريات الأساسية التي يثمنها الاتحاد و دوله إلا أن قوانين الاتحاد و دوله تضع التزاما على القنوات التلفزيونية و الإذاعية يحد من حريتها في بث ما تشاء دون قيد، إذ يتعين على الإذاعات مثلا أن تذيع نسبة 45% من الأغاني من انتاج أوروبي منها في فرنسا 25% من انتاج فرنسي. الغرض من ذلك أولا ضمان تسويق المنتج الثقافي الفرنسي و الأوروبي و ثانيا حماية اللغة الفرنسية في فرنسا. كذلك الأفلام الأجنبية يجب أن تذاع مدبلجة أي بغير لغتها الأصلية، لاحظ أن هذا يوفر فرص عمل جديدة للمترجمين و الأصوات و غيرها من عناصر الدبلجة!!
مثال آخر من كيبك هذه المرة. إذ يفرض القانون اللغة الفرنسية على كافة اللوحات الارشادية و الاعلانات مع تقبل اللغة الإنجليزية أو غيرها شرط أن تكون بحجم أصغر من اللغة الفرنسية.
نعود لما يمكن أن نفعله في مصر لحماية أنفسنا و لغتنا العربية.
لا يجادل أحد في أهمية أن نبقى على اتصال بالثقافات الأخرى لكن يجب أن يبقى اتصالا رشيدا يفيد و لا يضيع. التلفزيون الرسمي الذي يموله المواطن بتمويله لخزانة الدولة ينبغي أن يبقى عربيا و يرتفع بمستوى اللغة و الخطاب. فرض ضريبة على أسماء الشركات و لوحات اعلانها بغير اللغة العربية. السعي إلي تعريب التعليم الجامعي.

للتحديث لاحقا