Saturday, December 08, 2007

سيبويه يحتضر

قرأت اليوم
و تصادف أن كنت قد سطرت ما خطر لي منذ يومين لكن لم أكن بعد قد رفعته إلي المدونة.
لكندا لغتين رسميتين و هما الإنجليزية و الفرنسية طبقا لما نص عليه الدستور الكندي. تصدر القوانين و المراسيم باللغتين و يتحدث الساسة و أعضاء البرلمان اللغتين. و يتعامل المواطنون مع جهات الادارة بأي من اللغتين. لكن في مقاطعة كيبك و نظرا لاعتبارات تاريخية و ثقافية صدر قانون عام1977 ينص على أن اللغة الرسمية بالمقاطعة هي الفرنسية رغم كون المقاطعة جزءا من كندا، على الأقل حتى صباح اليوم!
تسألني، لماذا؟
باختصار، تسكن المقاطعة أغلبية فرانكوفونية أي ناطقة بالفرنسية لكن هذه الأغلبية تعد أقلية في محيط هائل انجلوفوني في وسط بقية المقاطعات الكندية و الولايات الأمريكية. لذلك تعتز هذه المقاطعة بلغتها الفرنسية و تبذل جهدا محموما للحفاظ على لغتها و تميزها. من ذلك مثلا، يجب على المهاجرون الجدد ارسال أولادهم لتلقي تعليمهم بالفرنسية، كذلك لممارسة الغالبية العظمي من المهن و الوظائف يلزم اتقان الفرنسية بل ربما ينجح المرء اختبارات و يحوز شهادات ثم يجد نفسه غير مقبول لممارسة مهنة ما مثل الطب لعدم اتقانه الفرنسية، حتى مع نقص الاطباء بالمقاطعة.
هناك اعتقاد سائد بعلاقة متينة تجمع القانون و رجاله باللغة العربية و بلاغتها. إذ تميزت لغة القانونيين بالفحولة و الأصالة و دلل على هذا تميز جموع من الرعيل الأول في مجالات الأدب و البيان. لكن هذا التميز بات مهددا و بقوة.
بيد أن الناظر اليوم يمكنه أن يقول دون تردد أنه قد خلف من بعدهم خلف أضاعوا اللغة و فرطوا فيها. ترى ما السبب؟
هل كان لضعف مستوى تعليم اللغة العربية بالمدارس الحكومية؟ هل هو عدم مواكبة منهج التعليم و تأخر تطوير أساليب الشرح؟ أم هو اعتماد التلقين و افتقار الدراسة إلي اتقان الأساسيات و تحجيمها لانطلاق التعبير شفهيا و خطيا؟
أم كان لانتشار مدارس اللغات يدا آثمة في هذا المجال؟ أم هو الاهتمام بتحديث كل شيء ليكون إنجليزيا، فتكون كلية حقوق إنجليزي و فرنساوي؟ هل التحديث و الانفتاح على ثقافات أخرى يكون على حساب الأصول و الذات؟
قلة هم من يستطيعون أن يقرعوا لوحة حواسبهم و الكتابة باللغة العربية، حتي من لا يتقن منهم التعبير بالانجليزية يكتب العربية بحروف لاتينية!!
يكفى أن تسير في الشوارع لتلحظ انتشار الكتابة بغير العربية بشكل يدعو للحسرة.
انتشار المطبوعات المصرية الصادرة بالإنجليزية، صباح اليوم اكتشفت اعلانا لمجلة اسمها what's up! magazine.
ماذا نفعل لنحمي لغتنا و ذاتنا؟
إبان دراستي للماجستير كان أحد موضوعات الدراسة يتناول قوانين التلفزة و البث الإذاعي و كان مما يلفت النظر أن الاتحاد الأوروبي و ما قام عليه من فلسفة حرية اطلاق التجارة و التبادل البيني بين دوله، إلا أنه لم يمنع هذه الدول أن تمارس حقها في الحفاظ على هوياتها و ثقافتها. بل كان مدفوعا و بخاصة من فرنسا إلي تبني ما يعرف بالاستثناء الثقافي في ظل اتفاقيات التجارة الحرة الجات. هذا الاستثناء الذي يمنح المنتج الثقافي وضعا خاصا حتي مع الاعتراف ببعده التجاري و المالى أحيانا. فالكتاب و الوسائط الالكترونية و الرقمية التي تحوى أفلاما و ملفات صوتية و كذا برامج الإذاعة و الأغاني هي منتجات تباع و تشترى. غير أنها منتجات ليست كغيرها إذ لبعدها الثقافي تتمتع ببعض الحماية و تخضع لقواعد خاصة الغرض منها حماية الثقافات و اللغات. مثلا رغم أن حرية الرأي و التعبير تعد من الحريات الأساسية التي يثمنها الاتحاد و دوله إلا أن قوانين الاتحاد و دوله تضع التزاما على القنوات التلفزيونية و الإذاعية يحد من حريتها في بث ما تشاء دون قيد، إذ يتعين على الإذاعات مثلا أن تذيع نسبة 45% من الأغاني من انتاج أوروبي منها في فرنسا 25% من انتاج فرنسي. الغرض من ذلك أولا ضمان تسويق المنتج الثقافي الفرنسي و الأوروبي و ثانيا حماية اللغة الفرنسية في فرنسا. كذلك الأفلام الأجنبية يجب أن تذاع مدبلجة أي بغير لغتها الأصلية، لاحظ أن هذا يوفر فرص عمل جديدة للمترجمين و الأصوات و غيرها من عناصر الدبلجة!!
مثال آخر من كيبك هذه المرة. إذ يفرض القانون اللغة الفرنسية على كافة اللوحات الارشادية و الاعلانات مع تقبل اللغة الإنجليزية أو غيرها شرط أن تكون بحجم أصغر من اللغة الفرنسية.
نعود لما يمكن أن نفعله في مصر لحماية أنفسنا و لغتنا العربية.
لا يجادل أحد في أهمية أن نبقى على اتصال بالثقافات الأخرى لكن يجب أن يبقى اتصالا رشيدا يفيد و لا يضيع. التلفزيون الرسمي الذي يموله المواطن بتمويله لخزانة الدولة ينبغي أن يبقى عربيا و يرتفع بمستوى اللغة و الخطاب. فرض ضريبة على أسماء الشركات و لوحات اعلانها بغير اللغة العربية. السعي إلي تعريب التعليم الجامعي.

للتحديث لاحقا

2 Comments:

Blogger SOLITUDE® said...

كلامك سليم
لكن لي تساؤل حول موضوع تعريب التعليم
هل من الممكن مثلا تعريب علوم كالطب والهندسة؟؟
شخصيا لا أستطيع الجزم بنعم أو لا

فالغرب الآن يستأثر بالطب وهو الذي يقدم الحلول وينتجها في هذا المجال، وطبيعي جدا أن تكون مصطلحات الطب وليدة لغة من يتقنونه، فما الحل من وجهة نظرك

أما بالنسبة للعلوم النظرية، كالقانون مثلا، ولأني خريج قسم انجليزي كما تعلم، فقد عانيت من هذا الأمر، حيث أن حال هذا القسم كالمنبت لا ارضا قطع ولا ظهرا أبقى

فهي عبارة عن مسخ، وصدق أو لا تصدق هذه الأقسام تضعف الانجليزية وتمحو العربية فتنتج خريجا مشوها.

7:19 AM  
Blogger Hazem said...

بالطبع يمكن تعريب العلوم كالطب و الهندسة و غيرها
لا يجادل أحد في أن التفوق التكنولوجي في الدول الأنجلوفونية جعل الكثير من المراجع و المؤلفات و كذلك المؤتمرات العلمية تعقد باللغة الإنجليزية. غير أن هذا لم يكن دافعا و لا مانعا من أن يكون التعليم و الدراسة في مثل هـذه التخصصات باللغة الأسبانية في دول أمريكا الجنوبية أو بالبرتغالية في البرازيل و هو ذات الأمر بالنسبة للصين و اليابان بل حتى في دولة عربية كسوريا.
الدليل على ذلك أن هناك الكثير من الأطباء السوريين و الكوبيين المشهود لهم بالكفاءة و المهارة على الرغم من تلقيهم التعليم بغير الإنجليزية في مجال الهيمنة فيه للغة الإنجليزية. هذا لا يعني أنهم يمتنعون عن التعلم بها أو الحديث و العمل بها، كل ما في الأمر أن التعليم الجامعي في هـذه الدول يعتمد لغة كل منها و يوازي ذلك حركة عظيمة من الترجمة و النشر لأحدث المؤلفات و المجلات العلمية.
التعليم باللغة العربية لا يعني الانغلاق و عدم الاطلاع و لكنه يعني شيئا كبيرا في الحفاظ على الذات و يتيح فرص حقيقية للترجمة كفريضة تقصر في أدائها كثير من البلاد العربية على الرغم من كونها، أي الترجمة، واحدة من أنجع الوسائل في تعبيد طريق النهضة.

أما عن أقسام القانون و التجارة و غيرها باللغات في الجامعات المصرية، ينبغي أن نميز بين الحاجة التي هي الغاية و الوسيلة التى تؤدي إليها. هل تعتقد أنه كان واضحا في أذهان من ابتدع هذه الأقسام الغاية و الغرض منها؟
هل كان يبتغي توفير أمكان جديدة لأعداد هائلة تلفظها الثانوية العامة كل صيف؟ أم هو فقط الولع و عقدة الخواجة؟ هل هو التقليد؟ أم هو الرغبة في التجديد و محاولة حسنة النية للرقي بالمستوى التعليمي؟ هل الرقي هو أن تتعلم بشكل سليم بغض النظر عن اللغة أم أن تتعلم باللغة الإنجليزية؟ هل هو الرغبة في الصيت كأن يقال الدكتور و العميد فلان كان له سبق في إنشاء القسم و البدعة الجديدة؟
هل هي الرغبة في الاستجابة للسوق و الحاجة لقانونيين على اطلاع بثقاقات قانونية أخري؟ هل كان احتياج السوق ل500 خريج سنويا؟!

لزميلنا رأي في المسألة
http://weekly.ahram.org.eg/2005/729/eg7.htm 

12:59 PM  

Post a Comment

Subscribe to Post Comments [Atom]

<< Home