Monday, February 27, 2006

القضاة في مصر و الدول المتقدمة

أثار رئيس الوزراء الكندي الجديد هاربر الرأي حول تعديل اجراءات اختيار عضو المحكمة الكندية العليا. إذ اقترح – و ينفذ هذا الأسبوع- أن يكون للبرلمان كلمته و رأيه في اختيار القاضي الذي سينضم إلى أعلى المحاكم الكندية على الاطلاق. إذ سيتعين على القاضي أن يجيب أسئلة لجنة من البرلمانيين ستذاع وقائعها علانية. بعدها تصدر اللجنة رأيها و هو غير ملزم لرئيس الوزراء الذي يرجع إليه اختيار القاضي.
بالتوازي و على أرض مصر مستجدات في ملف الاصلاح القضائي و انتفاضة القضاة. ترددت أنباء عن التحقيق مع عدد من القضاة و تبادلت أطراف عدة الاتهامات و الأراء.
بين ما يحدث هنا و هناك يحسن بنا أن نلقي نظرة سريعة على اختيار القضاة أولا ثم في تدوينة لاحقة نشير إلى ضمانات القضاة.
بداية يجب أن نتذكر أننا نطلق لفظة القضاة على كل من اشتغل بالقضاء بغض النظر عن درجته. مسألة اختيار القضاة من المباحث المهمة لما يترتب على النهج المتبع في هذا الاختيار من انعكاس خطير على كفاءة القضاة و استقلالهم و ضماناتهم و ثقة المتقاضين فيهم. إذن المسألة لها أبعاد ثلاثة. الأول يتعلق بمبدأ فصل السلطات، الثاني كفاءة القضاة و أهليتهم، أما الثالث فيخص علاقة القاضي بالمتقاضين.
استقراء النظم القانونية المستقرة يسوقنا إلى القول أن طرق اختيار القضاة متعددة يمكن أن نستعرضها تحت ثلاث مجموعات كبرى.
الطريقة الأولى: الاختيار عن طريق الانتخاب بواسطة المواطنين
و هو نظام سائد في معظم الولايات الأمريكية و يحقق هذا النظام -في حالة ضمان الانتخاب الحر- استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية. لكن الفقه يحمل الكثير من النقد لهذا النظام لأنه إذا كان يحرر القضاء من سلطان الحاكم فإنه يعهد به إلى سلطة الناخبين و هم غالبا غير قادرين على تمييز كفاءة القاضي و علمه و خبرته القانونية و صلاحيته الأخلاقية، إذ يخشى في هذا النظام أن يحرص القاضي على ارضاء ناخبيه رغبة في التجديد له مرة بعد أخرىو هو ما يخل بنزاهته و استقلاله. كما أن هذه الطريقة تعني أن اختيار القاضي يكون بحسب آرائه و ميوله السياسية و هو ما يخل بشكل كبير من انحيازه إلى القانون و مبادئ العدالة. كما أن انتخاب القاضي يعني توقيت وظيفته و هو أمر يضعف استقرار القضاء و حسن سيره.

الطريقة الثانية: الانتخاب عن طريق الجهاز القضائي ذاته
ربما تضع هذه الآلية الاختيار بين يدي من هم كفء لتكوين اختيار يقوم على معايير الكفاءة و الأهلية للقيام بوظائف القضاة. لكن سيئة هذه الطريقة تكمن في خطورة سيطرة اتجاهات أو طبقات معينة على وظيفة القضاء كمرفق عمومي. إذ من المرجح أن يقصر الأمر على الأصدقاء و الأقارب فيصير القضاء حكرا لطائفة.

الطريقة الثالثة: التعيين بواسطة السلطة التنفيذية
و هي الطريقة الأكثر انتشارا. يعللها الفقهاء بأن القضاء مرفق عام يقوم بأداء خدمة عامة، لذا فإنه من الطبيعي أن يعين رئيس الدولة القضاة باعتبارهم موظفيين عموميين شأنهم شأن موظفي الدولة. كما أن الأحكام تصدر باسم الأمة و رئيس الدولة كممثل للأمة فيحق له تعيين من يصدر الأحكام باسمها. كما أن هذه الطريقة تيسر إجابة حاجة القضاء إلى الاستقرار و الدوام مما يؤدي إلى حسن سير القضاء.
غير أن هذه الطريقة تخل بمبدأ الفصل بين السلطات. لذا تنحى التشريعات مناحي مختلفة في كيفية معالجة هذا بطرق تمنع التحكم المطلق للسلطة التنفيذية
فهناك تشريعات تنص على شروط معينة فيمن يعين قاضيا تلتزم بها السلطة التنفيذية في التعيين فلا يترك الأمر لسلطتها التقديرية.
هناك دول مثل بلجيكا يتولى الجهاز القضائي اعداد قوائم يختار من بينها رئيس السلطة التنفيذية.
في فرنسا تيعن السلطة التنفيذية من توافر فيه الشروط التي نص عليها القاون بشرط اجتياز المسابقة التي تجريها المدرسة الوطنية للقضاة. الأمر الذي يضمن كفاءة القضاة و حسن التأهيل و التدريب.

السؤال الآن ماذا عن مصر؟
يتم تعيين القضاة بواسطة السلطة التنفيذية بشروط عامة نصت عليها المادة 38 من قانون السلطة القضائية
1- الجنسية المصرية
2- لا يقل عن 30 سنة للمحاكم الابتدائية و 38 لمحاكم الاستئناف و 43 لمحكمة النقض حتى تتوافر درجة معينة من الخبرة القانونية تناسب كل درجة من درجات التقاضي
3- الحصول على اجازة الحقوق
4- ألا يكون قد صدرت عليه أحكام –محاكم و مجالس تأديب-
5- حسن السيرة و السمعة
هذا بخلاف الشروط الخاصة بكل درجة من درجات المحاكم.

بشكل عام يتم تعيين القضاة عند بداية السلم القضائي من أعضاء النيابة العامة ثم يواصلون بالترقية صعود درجات القضاء. غير أن المادة 47 من قانون السلطة القضائية تضع نسبة لكل درجة تقاضي يجب تعيينها كقضاة من بين المحامين المشتغلين بالمهنة. كما يجيز القانون تعيين بعض من تتوافر لديهم الخبرة و الكفاءة مثل أساتذة القانون و أعضاء النيابة الأدارية و قضايا الدولة.
تجرى التعيينات مرة سنويا خلال العطلة القضائية منعا لارتباك سير القضاء. كما يتم التعيين بقرار من رئيس الجمهورية كما هو مفصل في المادة 44 من قانون السلطة القضائية.

بعد هذا العرض المختصر، يجب أن نضيف بعض التعليقات الخاصة بتعيين القضاة. التعليق الأول ينطلق من على أرضية تفعيل مبدأ المواطنة. كثيرا ما ثار الجدل حول تعيين المرأة قاضية هذا من ناحية، و جواز تولي القاضي غير المسلم القضاء على المسلم من ناحية أخرى.
الخلاصة فيما يتعلق بالأمر الأول أن مذهب الشافعية و الحنابلة و المالكية هو عدم الجواز[1] أما الحنفية فقد أجازوا في غير الحدود و القصاص. و ذهب الطبري إلى جواز توليها القضاء مطلقا قياسا على توليها الفتوى.
أيا كان الرأي فقد أسقطت السيدة نهى الزيني بشهادتها الحق كل دعاوى من قال بعدم صلاحية المرأة للقضاء. كما أن مصر قطعت شوطا مهما في هذا المسار حين تم تعيين المستشارة تهاني الجبالي قاضيا بالمحكمة الدستورية العليا.
أما المسألة الثانية فقد أخذت محكمة النقض بعدم جواز تولية القاضي غير المسلم على المسلم في الأنزعة اتي تقتضي فيها تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية سواء كانت المنازعة أصلية أو فرعية و لكن هذا الحظر يقتصر على الفصل في الدعوى دون تلاوة الحكم مثلا. هذا ما ورد في أحكام قديمة نسبيا لمحكمة النقض، غير أن هذا الحكم يستدعي السؤال عن امتداد الحظر ليشمل القاضي المسلم في القضايا التي يقتضي الفصل فيها إلماما بشريعة من قبلنا- هذه مسألة مثيرة و ممتعة للذائقة القانونية!! ربما أعود إليها لاحقا لأنها تستدعي نظريات عن دور القاضي في حل النزاع بين سلبية دوره و ايجابيته، بالاضافة إلى ما يعرف ب judicial notice

التعليق الأخير، يخص ضرورة مراجعة طرق اعداد القضاة و تدريبهم و تأهيلهم. كذلك من المهم مراجعة مدى ملائمة فرض نسب معينة من المحامين على الجهاز القضائي بشكل يسمح للسلطة التنفيذية التلاعب من أبواب جانبية و خلفية لتعيين قضاة في هذا الاتجاه أو ذاك. أعتقد قانون السلطة القضائية الجديد الذي ينادي به القضاة و العموم دعاة الاصلاح يجب أن يأخذ بعين الاعتبار معايير واضحة و شفافة لاختيار القضاة في ظل الأبعاد الثلاثة المشار إليها أعلاه، كما يتعين الالتفات إلى ضرورة مراجعة مراحل الاعداد و التدريب و الفصل بين النيابة العامة و القضاء و اللجوء إلى نظام مدرسة لاعداد القضاة.


[1] انظر محمد سلام مدكور "المدخل للفقه الإسلامي" ط 4 صفحة 354، الشيخ أحمد هريدي "القضاء في الإسلام" صفحة 85