Friday, June 27, 2008

مسألة في مسئولية إدارة الشركة

في جلسة جمعتني بصديق يعمل بالقانون كان لا مفر من أن يكون لصفقة بي سي إي و حكم المحكمة الكندية العليا نصيب أفدت منه في استيضاح بعض النقاط القانونية من صديقي الملم ببعض التفاصيل في هذه القضية. اتفقنا على أن هناك حالة من التأني لاستيعاب و هضم المادة القانونية الثرية التي دفعت بها هذه القضية في عالم قانون الأعمال و التجارة.
رغم قرار المحكمة إلا أن الأمر لا يزال يحتاج إلي إيضاحات و انتظار رد الفعل على أرض الواقع. فالتزام المدراء بمعايير ضبط و تنظيم لصالح المساهمين يجد أصله في واجب يفرضه النص القانوني طبقا لقانون شركات المساهمة الكندي. 
بينما التزامات المدراء و الشركة تجاه دائنيها غالبا ما يكون مصدرها الالتزام التعاقدي باعتبار العقد شريعة المتعاقدين كقاعدة عامة.
هل يمكننا أن نقول أن قرار المحكمة قد رجح واجب المدراء تجاه المساهمين على التزامات الشركة التعاقدية مع دائنيها مما قد يعني تقديم النص  على التزامات تعاقدية، صريحة كانت أو ضمنية، مصدرها مشيئة المتعاقدين؟ لو كان الأمر كذلك فإنه قد يمثل طعنة لحرية التعاقد و التوقعات المعقولة و الموضوعية للمتعاقدين.
في قراءتي الشخصية أن قرار المحكمة على ما فيه من أهمية و ما صحبه من ضجة قانونية و إعلامية، فإنه قدم حلا لهذه القضية تحديدا دون أن يقصد بالقرار توطين أو تثبيت أي سابقة. فظني أنه لو كانت شركة أخرى غير بي سي إي و لو كان دائنا آخر غير هذا الدائن المغامر لاختلف قرار المحكمة.
إذ أن دائن الشركة بسندات كان يتوقع أن يتكسب مبلغا ما، لكن بيع الشركة بهذه الصفقة سيقلل من مكسبه في ذات الوقت هي صفقة نافعة للمساهمين.
أي المصلحتين كان يجب على المحكمة أن تغلب؟ 
في قراءة المحكمة أن الدائن بسندات قد أبرم عقدا و له منه توقعات معقولة موضوعيا لكن إلي أي مدى تسآل إدارة الشركة عن هذه التوقعات المعقولة؟ هل علي المحكمة أن تذهب في تفسير و تطبيق النصوص بعيدا لتضع على إدارة الشركة عبء مراعاة مصالح المساهمين و كذلك دائني الشركة و توقعاتهم المعقولة موضوعيا؟
قرار المحكمة أبقي الوضع كما هو عليه و لم يحمل إدارة الشركة مزيدا من الالتزامات و قصرها على التزام مصدره النص القانوني لصالح المساهمين.
قلت لصديقي أني أري أن القرار استوعب الأهمية الاقتصادية للبيع المتنازع على اثباته أو بطلانه. فالصفقة تمس قطاعا اقتصاديا هاما و هو الاتصالات و تخص الشركة الكبرى في هذا المجال و أخيرا أنه يوطد أواصر الثقة بين إدارة الشركة و المساهمين إذ يختار الأخيرون السابقين لإدارة الشركة بما فيه مصلحتهم بغض النظر عن منافع الدائنين.

لكن و ماذا عن الدائنين؟ 
أعتقد أن المحكمة قد تركت الأمر لحرية التعاقد و فراسة الدائن و قدرته على قراءة السوق في صعوده و هبوطه. خاصة و أننا نتحدث هنا عن محترفين يمتهنون إدارة الاستثمارات و التمويل.

المحكمة بالتأكيد وقفت بصف المساهمين و هي في رأيي محقة باعتبارهم دائما الحلقة الأضعف في المعادلة، خاصة و أن دائن الشركة يتمتع بقدرة أكبر على المناورة و المفاوضة بعكس المساهم الذي أوكل الأمر إلي إدارة الشركة.
هذه القراءة في نظري مستساغة نظريا لكن التدقيق في تفاصيل الصورة و المشهد الخلفي يجعلنا نلاحظ أن الشركات الدائنة هي شركات تدير استثمارات أفراد قطاعات خدمية كان أملهم هو تأمين معاش أفضل للمستقبل، و هو كذلك حال الشركة العارضة لشراء بي سي إي التي تستثمر أموال معاشات مدرسين بمقاطعة أونتاريو. فالصورة الظاهرة تعكس شركات كبيرة تمول و تستثمر أرقاما كبيرة، لكن التفاصيل تقول أن العائد ربحا و خسارة يمس مدرس أو موظف حاول أن يأمن مستقبل معاشه و عهد بإدارة هذا إلي هذه الشركة أو تلك، ليجد في النهاية نفسه خاسرا بمعني أن خسارته تتمثل في ربحية أقل مما توقعه أو أقل مما صورته له الشركة التي تدير استثماره.

أعتقد أن وجود الشركة كشخص قانوني تعاظم و تضخم ليحجب الشخص الطبيعي و يضعه خارج دائرة الضوء. هل هذا التضخم و الانتفاخ للشخص القانوني المعنوي في صورة الشركة نشأ و تطور بعفوية؟  و ما هي آثار هذا الانتفاخ و المساحة المتعاظمة مع الوقت لاحتلال الشركة المشهد القانوني و الانساني؟
كان للبروفيسور ياندا الفضل في لفت نظري إلي فيلم الشركة حين دعانا بعد انتهاء محاضرته في مادة الشركات إلي الحضور في مساء يوم ما لمشاهدة ذاك الفيلم. خاصة أنه كان مهتما بمسألة إدارة الشركة و التطورات القانونية في هذا الشأن. حضرنا في الموعد المقرر و كان هو قد أعد القاعة و أحضر بعضا من المرطبات و الفيشار و تابع معنا عرض الفيلم و دخلنا في نقاش ممتع حول الفيلم.
ربما بعد مشاهدة الفيلم قد تدرك أنت كذلك أبعادا أخرى للشركات و قوانينها.

Wednesday, June 18, 2008

و يبقى الوضع كما هو عليه

منذ فضائح كبريات الشركات في العقود الماضية اجتهد المشرع في الغرب في البحث عن حلول و معايير قانونية لضبط إدارة الشركات و تنظيم العلاقة بين المساهمين و مدراء الشركات. كما أن بعضا من الشركات الكبرى أحيانا من باب ذر الرماد في العيون أو عن اقتناع بالحاجة إلي نقطة نظام، قد شرعت في إعادة صياغة إدارة الشركات بما يتيح قدرا مهما من الشفافية و المحاسبة.
كذلك استجاب القضاء خاصة في نظم السوابق القضائية و بدأ يلعب دورا هاما في تنظيم إدارة الشركات للحفاظ على مصالح المساهمين دون تقييد المدراء بالكثير من المعايير و الضوابط حتى يسهل عليهم تيسير أعمال الشركة و الاستجابة لحركة التعامل و السوق بشكل يتوافق و سرعتيهما.

في غضون الشهور القليلة الماضية تحركت صفحة الماء في عالم الشركات في كندا حيث تقدمت احدي الشركات بعرض لشراء أكبر شركة اتصالات بكندا ممولة عرضها بأكبر دين على مستوى العالم بغرض شراء شركة. هذا كله ليس بجديد من حيث قيمة الشراء، لكن الجديد هو ما تقدم به دائنو الشركة المباعة إلي المحكمة من اعتراض على اتمام الصفقة لما فيه من اضرار بمصلحتهم زاعمين أنه كان يجب على مدراء الشركة أن يأخذوا بعين الاعتبار مصلحتهم جنبا إلي جنب مع مصالح المساهمين.
تدحرجت كرة النزاع القضائي سريعا من محكمة الدرجة الأولي لتفصل فيها محكمة الاستئناف و في وقت قياسي  تضع المحكمة الكندية العليا حدا لهذا النزاع الذى 
من شأنه أن يقرر قاعدة جديدة و قيدا جديدا على إدارة الشركة.
للاطلاع على تفاصيل النزاع و حكم المحكمة العليا اقرأ هنا  
لمشاهدة بعضا من المرافعات أمام المحكمة الكندية العليا شاهد هنا
*لا تقلق في البداية مقدمة بالفرنسية ثم باقي المرافعة بالإنجليزية

Thursday, June 05, 2008

Objection,,طرق الاثبات

يتساءل غير الملميين بالملكة القانونية عن النتائج النهائية لسير القضاء و حكم المحكمة على نحو قد يخالف المشاعر الأولية الساذجة حينا أو قد يضرب بعرض الحائط حقيقة ظاهرة لا تخفى على مبصر حينا آخر.
ما لا يدركه هؤلاء أن الحق يجب أن يثبت بطرق متفق عليها أمام القضاء فإذا لم يجبر ما يثبت الحق و لم يصلب عوده أمام طرقات الخصوم فإنه غالب الظن عرضة للضياع.
لنبسط الأمر بداية. هناك اتجاهين كبيرين في تنظيم الاثبات. يعرف الأول بنظام الاثبات المقنن و الاجراء الاتهامي و المعارض "accusatory or contradictory proof"
بينما يعرف الثاني بالاثبات الحر و الموجه قضائيا "inquisitorial"
النظام الأول ارتبط تاريخيا بالنظم الأنجلوسكسونية بينما تزعمت الاتجاه الثاني المدرسة اللاتينية التي قادتها حركة التقنين الفرنسي. 

ما هو محل الاختلاف بين الاتجاهين؟
بشكل مبسط، الاتجاه الأول يحدد بشكل مسبق وسائل الاثبات و قيمة كل منها و كذلك طرق تقديمها و قبوليتها من عدمه و أوجه الاعتراض عليها و دحضها. كما يجعل هذا النظام وكلاء الأطراف أو المحامين هم سادة إدارة الاثبات بينما يتقلص دور القاضى ليصبح شبه سلبي و من ثم يحكم فيما طلبه المتحاكمون على ضوء ما قدموه من إثبات.
أما الاتجاه الثاني، فإنه يجعل للقاضى دورا أكثر إيجابية و لا يحد بقواعد صارمة من وسائل الاثبات و قبولها و لا يجعل لوكلاء الأطراف المتنازعة سلطة كبيرة في توجيه الاثبات.
 
لماذا هذا الاختلاف؟
لاشك كل اتجاه ينطلق من خلفية فلسفية ما. فالاتجاه الأول و هو بالطبع يتسم بالادراك الشخصي، نشأ بداية في أحضان رؤية عقلانية ليبرالية فردية تعظم حقوق الملكية و حرية التعاقد. 
فذاك الاتجاه حين يحدد مسبقا وسائل الاثبات و قيمتها و سائر قواعدها، فإنه يثمن حقوق الفرد الأساسية و يضع على عاتق من يحاول المساس بها سواء كان فردا آخر أو جماعة أن يثبت حقة و ادعاءه من خلال طرق معينة مرسومة. و هذا ما يفسر انتفاض وكلاء الأطراف للاعتراض على اثبات ما كما نشاهد في الأفلام الأمريكية.
لذلك في هذا الاتجاه تجد في القضايا الجنائية المتهم غير ملزم بالشهادة بينما يقع عبء اثبات التهمة كقاعدة عامة على الدولة و ممثل الادعاء سواء كان باسم الناس كما في أمريكا أو باسم الملكة كما في كندا.
  
في حين أن الاتجاه الثاني و هو يتلون بالادراك الموضوعي، فقد تكون في نظم تعطي الجماعة أهمية تعظم أهمية الفرد و لا تقدس حقوق الملكية و حرية التعاقد بذات المستوى كما في الاتجاه الأول.
في اطار هذا الاتجاه يصبح البحث عن الحقيقة مقدما على الحقوق الأساسية للفرد. لذلك في القضايا الجنائية يتحمل المتهم و وكيله عبء دفع الاتهام و اثبات العكس. و للقاضى في هذه المدرسة دورا ايجابيا في توجيه سير التقاضي و الاثبات بل له أن يتدخل في عملية الاثبات.

جدير بالاشارة بعد هذا العرض المبسط و الموجز، أن هذين الاتجاهين لا يتمايزان بشكل صارم و لا يتلونان بالأبيض أو الأسود فقط، بل إن مساحات التداخل بين كل منهما تزداد مع تسارع الاتصال بين الثقافات القانونية المختلفة، حتي بات يدفع بكلا الاتجاهين إلي مساحة رمادية تمازج بين النظامين.

أخيرا، إن الوعي بالمنطلقات و الغايات أمر هام في تنظيم الاثبات. لذلك يجب أن تراعي قواعد الاثبات و محاولات تحديثها أمورا عدة. الأول هو الموروث شرعا و عرفا في اثبات الحقوق و الثاني الاتجاهات الحديثة و تطور وسائل الاثبات و ثالثا تيسير و قلة كلفة الاثبات كواحدة من ضمانات الحق في اللجوء إلي قضاء عادل.

الشريعة و استقلال القضاء

متابعة لمدونات و اشارات سابقة هنا و هنا و هناك ، هاكم اسهام جديد في مسألة استقلال القضاء و تطبيق الشريعة

Tuesday, June 03, 2008

أخلاقيات مهنية