Saturday, May 27, 2006

أتعاب المحامين

استوقفتني الكلمات المستخدمة في اللغات العربية (أتعاب) و الإنجليزية (fees) و الفرنسية (honoraires) للتعبير عن المردود المالي لعمل المحامي. هذه الألفاظ تعكس طبيعة العمل المهني للمحامي تماما مثل الطبيب فنحن نستخدم استثناءا مصطلح الأجر للتعبير عن المردود المالي لعمل المحامي أو الطبيب. لعل السبب في ذلك هو خصوصية و تميز طبيعة عمل المحامي عن غيرها من سائر علاقات التعاقد و التجارة.
ينظم القانون و قواعد تنظيم المهنة أصولا عامة تحكم تقدير أتعاب المحامين و طرق حل ما قد ينشأ من نزاع حولها. بيد أن هذه القواعد طال عليها الأمد و باتت لا تعيير البعد الاقتصادي أهميته. نشأ عن هذا الوضع تدهور بالغ في طرق تقدير أتعاب المحامين بالمبالغة أحيانا خاصة في مخالفات علية القوم و بالامتهان و الشح في غالب الأحيان خاصة مع صغار المحامين و الملتحقين حديثا بمهنة المحاماة. ترتب على هذه الحالة انحدار عظيم في مستوى الكفاءة المهنية أثر على شرف المهنة و نبل الرسالة مما زعزع ثقة المتقاضين في أهلية المشتغلين بالمحاماة.
حقيقة لا تتوفر لدي معلومات حديثة عن التقديرات الفعلية لأتعاب المحامين و لا عن المردود المالي للمحامين حديثي العمل بالمهنة، لكني سأعتمد على أرقام و تقديرات عام 2000 و لعلي معتمدا على الوضع الاقتصادي الذي ينتقل من سيء لأسوء منذ ذلك العام، أخمن أن التقديرات و الأرقام صارت أشد بؤسا و بعثا على القلق و الحيرة.
إذا قسمنا مكاتب المحاماة إلى فئات:

فسنجد في القاع مكاتب المحاماة التقليدية التي تعتمد على اسم المحامي الذي يعمل لديه عدد صغير جدا من المتدربين و صغار المحامين فضلا عن سكرتارية. في هذه الحالة يستأثر المحامي مالك المكتب بالعلاقة بالموكلين و تقدير الأتعاب بشكل مباشر بينه و بين الموكل بعيدا عن أعين و مسامع المتدربين و صغار المحامين. هذا التقدير تشكله عدة عناصر منها خبرة المحامي و اسمه و درجة تعقيد المسألة،، إلخ. في غالب الأحيان لا يتقاضى المتدربون إلا مردودا ماليا محدودا قد ينفقونه على تنقلاتهم من و إلى المحكمة. في القاهرة ربما كان يتراوح المردود المالي للمتدرب في هذه الفئة من المكاتب بين الصفر و المائة و خمسين جنيها. أما المحامي الذي تجاوز مرحلة التدريب – سنتين- فيتوقف تقديره المالي على خبرته و كفائته فيبدأ من 200 إلى 600

الفئة الثانية تشبه إلى حد كبير الفئة الأولى مع الفارق في حجم المكتب. فالمحامي صاحب المكتب غالبا ذائع الصيت بسبب مهارته، علاقاته، أستاذ جامعة، سوابقه الفريدة في المرافعة و تخصصه في بعض القضايا. هنا يتمتع المكتب بوفرة مالية إلى حد ما و قدرة على استعمال عدد أكبر من المتدربين و صغار المحامين بخبرات و كفاءات متعددة. ما يثير العجب من هذه الفئة هو استغلالها للمتدربين بشكل فاحش. إذ يلجأ العديد من هذه المكاتب إلى الاكتفاء بمنح فرصة التدريب لدى المكتب كمقابل مادي!! أي أن المتدرب يكفيه شرفا و قوتا أن يتدرب في مكتب فلان المحامي. إذ وفقا لنظرة السيد المحامي الهمام سيحوز المتدرب خبرة لا تقدر بثمن. يجب القول هنا أن المتدرب يقوم بكافة الأعمال و خاصة تلك التي يتعفف أو يترفع عنها المحامون ذوو الخبرة و السلطان. فقد تمتد ساعات العمل و قد يتحمل المتدرب مصروفات انتقال أو غير ذلك و لكن من مصلحته أن يفعل حتى يحظى بمزيد من الثقة لدى أصحاب الحظوة و صاحب المكتب. لكن انصافا هناك مكاتب في هذه الفئة تحدد سياسة لرد مصروفات الانتقال و قد تحدد مرتبات محدودة قد تنتظم كل أول شهر و قد تكتفي ببضعة شهور في السنة. فيما يتوقف تقدير أتعاب المحامي الذي حاز بعضا من الخبرة على كفائته و حاجة صاحب المكتب له. في بعض الأحيان يتاح للمحامي و المتدرب القدرة على تحمل أعمال و موكلين لحسابه الشخصي بجانب عمله بالمكتب لكن ضغط العمل في المكتب و ضيق الوقت يحول في كثير من الأحيان دون العناية بشكل جدي بهؤلاء الموكلين و أعمالهم.

أخيرا، هناك عدد من المكاتب المحدودة التي تشبه إلى حد ما الأشكال التي تطورت إليها ممارسة مهنة المحاماة في دول الشمال. في هذه الفئة يتشارك محامون مساهمون في مكتب تتوفر لديه قدرة مالية و خبرة لا تتوفر لغيره من مكاتب الفئات الأخرى. تعمل هذه المكاتب في القانون التجاري و صفقات التعاقد المهمة و لها علاقاتها بدوائر السلطة بحكم الأصول العائلية لمالكيها. فضلا عن ذلك فهي قد تعتمد على علاقات بشركات و مكاتب محاماة بالخارج. هنا نخرج من دائرة المرتبات المتواضعة لندخل في دائرة تعتبر بمقياس الحياة الاقتصادية في مصر و خاصة بالمقارنة مع الفئات الأخرى أفضل بكثير من الناحية المالية. إذ يبدأ المردود المالي للمحامي المتدرب من 600 إلى 1000 جنيه. هذه المكاتب و إن كانت تحاول التنمط بممارسات و أساليب مكاتب دول الشمال إلا أنها إذا أنصفنا لا تتجاوز دائرة مكاتب القاع سواء من ناحية التنظيم الإداري و عدد المحامين أو من ناحية المردود المالي و هذا بالتأكيد ناتج عن الفارق الاقتصادي بين الجنوب و الشمال بالإضافة إلى افتقاد كثير من عناصر المهنية و الاكتفاء بالنقل الصوري. لا تختلف في غالب الأحيان هذه الفئة عن سابقتيها من حيث انعدام الشفافية في تقدير الأتعاب و العلاقة مع الموكلين. إذ يكفي لتميزها ارتفاع أجور المحامين و المتدربين مقارنة بنظرائهم في المكاتب الأخرى.

كيف يمكن أن نضبط و نفهم تقدير أتعاب المحامي؟
هناك طرق عديدة يستخدمها المحامون في الشمال لتقدير أتعابهم في علاقتهم بالموكلين و تنظم قواعد أخلاقيات المهنة و نقابات المحامين ضوابط للتقدير و طرق لحل المنازعات. من ناحية أخرى هناك شفافية و دراسات سنوية عن أجور المحامين و المتدربين و مقارنات تخلق جوا من المنافسة و الكفاءة بين شركات المحاماة و أفراد المحامين.
كل مكتب أو شركة محاماة تعتمد سياسة مالية في تقدير أتعاب محاميها. هذه السياسة يجب أن تستوعب مصلحة المحامي و الموكل على السواء.
هناك ما يعرف بسياسة أو أسلوب retainer fee هذه السياسة المالية التقليدية تمنح المحامي سببا كافيا لليقين بجدية موكله. إذ يقدم الموكل مبلغا ماليا إلى المحامي أو يضعه في حساب بنكي لصالح المحامي. يمكن تقسم هذه الطريقة إلى ما يعرف ب pure retainer و هو مبلغ يدفعه الموكل للمحامي مقدما حتى يضمن أن يتولى المحامي أو المكتب الدفاع عن القضية أو العناية بالتوكيل خلال مدة ما و ألا يقبل المحامي أو المكتب موكليين آخرين منافسيين أو خصوم خلال هذه الفترة المحددة. النوع الثاني case retainer و بها يدفع الموكل مقدما للمحامي ضمانا لعمله على قضيته. و أخيرا retainer for general representation هنا يدفع الموكل مبلغا سنويا أو شهريا يضمن به عمل المحامي على قضاياه و أعماله طوال مدة محددة يكون فيها ممثلا قانونيا له، و قد يتضمن العقد اعتبار هذه المبالغ حدا أدني مما يعني الاتفاق لاحقا على ما قد يطرأ من أعمال استثنائية أو ذات أهمية خاصة.

هناك سياسة مالية أخرى contingency fee هنا يتحصل المحامي على أتعابه كنسبة من المبلغ المحكوم به لصالح موكله. هذا الأسلوب يتبع غالبا في قضايا التعويضات إلا أن بعض النظم تحدده بقواعد صارمة و قد تحظره خاصة في قضايا العقوبات و الأحوال الشخصية. و لا تشمل هذه المبالغ مصروفات التقاضي.

سياسة أخرى تعرف ب flat or fixed fee و هي عبارة عن مبلغ محدد يتقاضاه المحامي بغض النظر عن نوع و حجم العمل و هي تشبه إلى حد كبير طريقة تقدير كشف الطبيب

أخيرا، و هو النظام الأكثر استعمالا خاصة في شركات المحاماة hourly fee. إذ يتقاضى المحامي أتعابه بناء على عدد الساعات التي يمضيها في العمل على أمور موكله. و تتحدد قيمة ساعة العمل بناء على خبرة المحامي و حجم المكتب و سمعته. هذا النظام و إن كان يبدو للبعض سهلا و بابا للتجاوز و الاستغلال، إلا أنه يعد مجالا للمباراة و المنافسة بين المكاتب سواء من ناحية قيمة ساعة العمل أو من ناحية طرق حسابها و مراجعتها. إذ تحرص شركات المحاماة على وضع سياسة صارمة و شفافة يتم على أساسها حساب الساعات الحقيقية التي سوف يدفعها الموكل مستخدمة برامج حديثة و شركات للمراجعة و الحساب.

هناك من مكاتب المحاماة ما يجمع بين هذه السياسات المالية. و قد يلجأ بعضها إلى تقديم تسهيلات مثل عدم احتساب أول نصف ساعة، أو اعتبار أول ساعة بنصف القيمة،،إلخ
أخيرا يجب أن ألفت الانتباه إلى فارق كبير بين الجنوب و الشمال في إدراك طبيعة عمل المحامي و تقديره المالي. قد يظن البعض أنه من الطبيعي و العادي جدا أن يتصل هاتفيا بالمحامي أو يستوقفه أو يذهب إلى مكتبه و يحادثه و يستشيره ثم يشكره و ينصرف و يظن أن المحامي ما فعل شيئا و أن كل ما فعله هو أنه حرك لسانه و قال كلاما!!
المحامي يقضي سنوات دراسية صعبة و يتعهد نفسه بالاطلاع المستمر على حديث القوانين و الأحكام و يزداد خبرة و علما يوما بعد يوم. لذا يقصده الناس لاستشارته و استيضاح ما غلق على أفهامهم طالبين منه العون و الحل القانوني السليم. و هو لا يقدم ذلك صدقة و احسانا و إنما هذا عمله و تلك صناعته فمن ابتغى بضاعته وجب عليه دفع الثمن ففي ذلك عدل و انصاف و هذا هو ما يحفظ كرامة المهنة و نبل الرسالة. فعكس ذلك أدى بنا إلى غبن عظيم أظهر ما يعرف بمحامي السلم أو محامي الصالة!! فقط أنوه إلى مدونة لاحقة عن العمل التطوعي للمحامين حتى لا يظن البعض بالمحامين شرا فيقول أنهم يدافعون و يسهمون في إحقاق الحق و مساندة العدالة فقط مقابل المال دونما إيمان و لا اكتراث بالضعفاء و ذوي الحاجة.

ما سبق يخص علاقة المحامي/ الموكل. ماذا إذن عن علاقة المحامي/ المحامي؟
هناك أعراف و تقاليد و ربما قواعد مهنية تنظم العلاقة بين المحامين و بعضهم بعضا سواء من ناحية أسلوب الممارسة و التعامل و الخطاب أو من ناحية المردود المالي لأعمالهم.
هناك حد أدنى معلن للمحامي المتدرب- لاحظ أن فترة التدريب قصيرة إلى حد كبير و مردودها المالي إلى حد كبير يتجاوز المتوسط لشخص ذو خبرة في أي مهنة أو قطاع آخر- و تنشره المجلات المتخصصة و تقارن بين المكاتب و سياستها في تحديد التقديرات المالية لمحاميها. كما أن كثير من شركات المحاماة لا يقصر الأمر على المردود المالي الشهري بل قد تزيد الإضافي bonus وفق سياسة معلنة مثل تحقيق عدد ساعات معين أو غير ذلك. فضلا عن تأمين اجتماعي و صحي و أجازات سنوية مدفوعة و اشتراك نادي رياضي،،إلخ
الطريف أن الكثير من الناس ينظرون إلى الجانب الممتلئ من الكأس أي التقديرات المالية المرتفعة، إلا أنهم يغفلون عن العلاقة الطردية بين انتفاخ الجيوب من ناحية و ساعات العمل الطويلة و ضغط العمل الذي قد يسبب مشكلات نفسية و أسرية و اجتماعية من ناحية أخرى. تحدد كثير من مكاتب المحاماة في أمريكا و كندا عدد 1500 ساعة و حاليا رفع بعض المكاتب هذا العدد إلى ما يتجاوز 2000 ساعة و هو رقم كبير جدا خاصة إذا فهمنا أن الساعة تحسب بالعمل الفعلي و هناك برامج لحساب ذلك بشكل دقيق و يمكن مراجعته، فمثلا لن تحتسب 5 دقائق للذهاب إلى الحمام و لن تحسب ساعة الغداء،،إلخ هذا يدفع البعض رغبة منه في الحفاظ على وضعه في الشركة و فرصة استمراره بالعمل إلى المجيئ إلى مكتب في العطلة الأسبوعية و ربما المبيت في المكتب.
لذا يفكر الكثير من الملتحقين حديثا بمهنة المحاماة بشكل الحياة التي يرغبون فيها فقد يعدل بعضهم عن العمل في مكاتب تتجاوز أول مراتب التقدير المالي فيها إلى ما يفوق المائة ألف دولار سنويا مقابل الحصول على حياة متوازنة بين العمل و الأسرة و النشاط الاجتماعي بمقابل مادي مناسب يكفل حياة مريحة و كريمة.

Tuesday, May 16, 2006

تعديلات دستورية

تواتر الحديث مؤخرا عن تعديلات دستورية في المستقبل القريب. المبادرة جاءت من السلطة التنفيذية ممثلة في شخص رئيس الجمهورية و يتابع المشروعات المقترحة و صياغتها فريق مستشاريه و الوزراء المعنين بالتغييرات المحتملة.
من الناحية القانونية يبدو ذلك الوضع مخالفا تماما للأعراف الدستورية و القوانين المنظمة لدول يفترض فيها حكم و سيادة القانون.
الدستور هو الشريعة و الأصول التي تحكم المجتمع لأجيال قادمة. لذلك يفترض في الدستور ثباتا و بعدا في الرؤية. التغييرات الدستورية ليست من قبيل استبدال سراويل و سترات بحسب موضوع السهرة!! صحيح أنه في مجتمعات ديمقراطية حرة يفترض أن يكون الدستور شجرة حية متجددة بحسب التعبير المستخدم في القضاء الكندي. غير أن نمو هذه الشجرة الوارفة ينبغي أن يكون على أسس ديمقراطية شفافة تعكس مصالح الجميع و تحترم حقوق المواطن.
و لأن الدستور يمثل القواعد العامة التي تنظم المجتمع و تؤسس لحكم مستقر بحسب القواعد الجامعة للغالبية، فإن صياغته و مشروعات تعديله ينبغي أن يساهم فيها الجميع برأيه و ألا ينفرد أشخاص حتى و إن مثلوا السلطة التي تحوز أغلبية البرلمان بمتابعة تعديلات دستورية وفق رؤيتهم الشخصية. خاصة إذا كانت رؤية تتم في خلال شهرين عبر جلسات مغلقة لا تضع و لا تأخذ بالاعتبار صوت الرأي العام من خلال نقاش حر و ديمقراطي
.أحيلك قارئي المهتم بفهم جوانب الموضوع إلى هذا الملخص عن التعديل الدستوري

Friday, May 12, 2006

مختصر تاريخ استقلال القضاء في مصر

إطلالة تاريخية على مسار استقلال القضاء في مصر كتبها اليوم المستشار طارق البشري بقلم المؤرخ و تابع بعده الفقيه القانوني يحيى الجمل أستاذ القانون العام بجامعة القاهرة
أنا شخصيا إزددت إحاطة بأمور تاريخية. ليس لدي ما أزيده أو أعقب به سوى أننا تأخرنا كثيرا في اقرار استقلال القضاء نصا و تطبيقا مقارنة بأمم أخذنا عنها تنظيمنا القانوني و أن دعوة نادي القضاة للإصلاح القضائي ما هي إلا بداية تحتاج إلى تنظيم دقيق واعي .

Saturday, May 06, 2006

كيف تصبح محاميا؟



كيف تصبح محاميا؟
في مصر الأمر بسيط في الثانوية العامة لا تجهد نفسك كثيرا. بأقل مجهود يمكنك أن تتحصل على مجموع يخالف معدلات كليات القمة و تدخل كلية الحقوق و في بطن سعادتك بطيخة صيفي.
دخلت الكلية لا تتعجل الأمر يمكنك أن تقضي سنوات الدراسة الأربع بعيدا تماما عن القانون اللهم إلا في الشهر الأخير. لن يجهدك أساتذة القانون بسماع محاضرتهم لأن باب المدرج مفتوح. إذا قررت الحضور ما عليك إلا أن تنصت و تدون إن أردت و استطعت ما يقوله الأستاذ المحاضر. يمكن الانشغال عنه في بعض الأحيان دون أن تكون مصدر ازعاج و حسب درجة تقبل الأستاذ لهذا السلوك. لن يطلب منك أستاذك بحثا و مراجع و هو لا يحب أن تناقشه أو تسأله لأنه متعب و لا يحب وجع الدماغ و لديه ما يكفي من المسئوليات الإدارية و الأسرية و كثير منهم جدوله مزدحم بسبب مكتبه الشهير و موكليه أصحاب الملايين، إذن لن تقضي ساعات طويلة في المكتبة تراجع أحكام القضاء أو تقارن و تحلل كتب الفقه و التشريعات.
بعد أن تحصل على شهادة التخرج توجه إلى نقابة المحامين و بعد استيفاء مجموعة من الأوراق- إثبات شخصية، موقف من التجنيد، صحيفة حالة جنائية..الخ- سيتم استدعائك لحلف اليمين و تتسلم بطاقة العضوية بعد دفع الاشتراك و الرسوم السنوية. تبدأ عضويتك بالنقابة كمحام جزئي تحت التمرين لمدة سنتين تقوم خلالهما بكل أعمال المحاماة تحت اشراف محامي أكثر خبرة و غالبا ما تقوم بالأعمال السطحية و الملتوية التي لا ترقى إلى مستوى من هم أسبق منك خبرة أو تلك التي يعف عنها بعض أصحاب الضمائر التي تؤنبهم فيكتفون بإحالتها إلى من هم تحت إشرافهم! و بعد مرور السنتين تنتقل إلى درجة المحاكم الابتدائية و من بعدها الاستئناف و أخيرا النقض. إذن يبدو الأمر بسيطا و ساذجا و هو ما انعكس على صورة المحاماة و الأداء الضعيف و غير المحترف للمحامين. أعتقد أن هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في إعداد المحامين. دعنا ننظر أولا خارج مربعنا ثم نعود لبعض الترشيحات في سبيل اعداد أمثل للمحامي المصري.

كيف تصير محاميا في فرنسا؟
أولا يجب أن تحصل على شهادة الإجازة من كلية الحقوق – الالتحاق بالكلية لا يعتمد على المجموع و إنما على مقابلة شخصية و أداء مدرسي لائق- أو دبلوم معادل لها.
ثانيا: يجب أن تنجح في اجتياز امتحان الالتحاق بمركز الاعداد المهني الجهوي بعد سنة من الاعداد الدراسي المكثف.
ثالثا: تلتحق بمدرسة الاعداد المهني التابعة للنقابة التي تنوي التسجيل بها- المحامي يمارس مهنته في نطاق جغرافي محدود و ليس مطلق و هو نطاق يتحدد بذات حدود الاختصاص الجغرافي لمحكمة الاستئناف التابع لها المحامي –هناك قواعد تنظم التمثيل المتبادل بين المحامين من نطاقات جغرافية مختلفة- تستمر الدراسة بالمدرسة سنة دراسية تنتهي بامتحان مهني متقدم تحصل بموجبه على شهادة القبول المهني
رابعا: يعقب ذلك تدريب إجباري يمتد سنتين و ينتهي باعداد تقرير مفصل عن فترة التدريب و الأعمال التي قمت بأدائها و يمكن للنقابة مساءلة المشرف على التدريب

كيف تكون محاميا في كندا؟
يجب الرجوع إلى قوانين كل مقاطعة لمعرفة الشروط التفصيلية. لكن لنأخذ مثلا بمقاطعة كيبك. تجمع المقاطعة بين تراثين قانونييين الأول فرنسي لاتيني و الثاني أنجلو-أمريكي. لذلك غالب كليات الحقوق في المقاطعة لا تطلب شهادة جامعية كشرط التحاق بكلية الحقوق عدا جامعة مكجيل التي تشترط الحصول على شهادة جامعية للالتحاق بها مع وجود استثناءات للمتميزين من طلبة المدارس العليا.
بعد الحصول على شهادة الليسانس، تتقدم إلى مدرسة نقابة المحامين لعمل امتحان تحديد مستوى. تصدر على أساسه لجنة التقييم نصيحة بعمل برنامج الدراسة المطول أي 8 شهور أو الاكتفاء بدراسة مكثفة 4 شهور.
الدراسة مكثفة للغاية و نسبة النجاح ليست مرتفعة خاصة مع تغيير البرنامج العام الماضي.
بعد اجتياز امتحان مدرسة النقابة هناك تدريب إجباري مدته 6 شهور. تنتهي باقرار مدرسة النقابة فترة اعدادك و تحيل الملف إلى النقابة لانهاء اجراءات التسجيل و حلف اليمين لتمارس بعدها مهنة المحاماة في المقاطعة.

نظرا لأهمية مهنة المحاماة و نظرا للمشاكل الملموسة التي تعطل الأداء الصحيح لواجبات المحامي، فإن الحاجة لاجراءات جديدة لا يعوزها كثير من الأسانيد و التبريرات.
لكن من أي نقطة نبدأ؟
هناك نقطة بداية مهمة لكنها مرتبطة بالنظام الجامعي المصري المشوه و لذلك هي تتعلق باصلاح هذا الأخير. إذ يجب أعادة النظر في معايير الالتحاق بكلية الحقوق سواء من ناحية الكم أو من ناحية الكيف. المسألة لا تتعلق فقط بالقدرة على تحصيل درجات تقييم مرتفعة و لا قدرة على الحفظ عن ظهر قلب، و لكنها على العكس تتعلق بالقدرة على التفكير و التحليل المنطقي و ملكات التعبير و اللغة.
النقطة الثانية تتعلق بالمحتوى الدراسي في كليات الحقوق و اتصاله بالمجتمع و مشكلاته و سوق العمل- سأفرد لهذه المسألة تدوينة لاحقة إن شاء العدل.
يجب أن نعترف أن الدراسة الجامعية لها هدفها و للحياة العملية و التطبيقات ديدنها و متطلباتها. الجامعة مكان لتنمية مهارات التحليل و التفكير و النقد. لا شك أنها مهارات يستعملها المحامي لكنه يستعمل غيرها مما لا توفره الجامعة. فالجامعة تعد جماعة من الطلاب سيكون منهم القاضي و وكيل النيابة و المحامي و رجل السياسة و التخطيط ,,الخ. لكل منهم حاجته و اختصاصه ومهاراته. لذا اعداد كل منهم بشكل منفرد يجب أن يلحق مرحلة الدراسة الجامعية.
إن فكرة مدرسة نقابة المحامين ترسم ملامح محامي المستقبل و تشكل وعيه و تزوده بالمهارات الأساسية التي لا غنى له عنها للوفاء بواجبه. أعتقد أن الأخذ بمدرسة لاعداد المحامين مهنيا سيكون لها مردود طيب الأثر إذا أحسن اختيار برامجها ليعقب ذلك فترة تدريب لمدة سنة على الأكثر.
لماذا يجب أن نهتم و نرتقي باعداد المحامين؟
المحامون صنو القضاء كما علمنا أستاذنا في المرافعات أحمد الصاوي إذ يقول " تجمعهم ذات الغاية و هي تحقيق العدالة و يربطهم نبل المقصد و هو تأكيد سيادة القانون، يعينون القضاة فيقدمون لهم مادة أحكامهم"
إذ كما يقول رجال القانون القضاء ينقسم إلى أولا: قضاء جالس و هو قاضي المنصة الذي يفصل في المنازعات و يقرر الحقوق و الجزاءات، ثانيا: قضاء واقف و هو المحامي الذي يعكف على قضية موكله يدرس القانون الذي يحكمها و ما يثور من مشاكل قانونية و أراء فقهية يناقشها و يسوق الحجج و البراهين فيقدم للقاضي رؤية قد تسهل مهمته و تنير طريقه إلى التطبيق الأمثل للقانون. كما كان يقول أستاذنا الصاوي أن نقاش المحامين أمام القضاء يفضي إلى إثراء المعرفة القانونية.
و يضيف الصاوي أن مهنة المحاماة تستمد مكانتها من سمو مقصدها و لا ينال منها عدم فهم البعض لطبيعتها و لا المسلك السيء لبعض المحامين. فالمحامي ليس كما يتصور البعض مجرد رجل يحسن الكلام و الجدل، سيان عنده الدفاع عن الحق أو الباطل، يستعين بمعرفته ليفلت المجرم من العقاب فالمهم عنده الحصول على أتعابه.
إن دور المحامي مهم و بدونه يفسد ميزان العدالة و لا يتحقق العدل الاجتماعي إذ لا يستوي الناس في فهم القانون و لا يتكافئ الناس في التعبير و الحجة و البرهان. فيتقدم المحامي و هو على علم و إحاطة بالقانون و تملك للبيان و البرهان ليدافع عن حق موكله. يتساءل البعض كيف يدافع المحامي عن مجرم هو على يقين بارتكابه الجرم. هذا التساؤل يتناسى أن الأصل في الإنسان البراءة حتى يثبت العكس. المحامي يقوم بواجبه في الدفاع عن الانسان حتى تثبت إدانته و هو بذلك يقوم بدور مهم في حماية حقوق الإنسان في مواجهة غضب العامة أو السلطة فيقوم حارسا و مذكرا بالقواعد و الأصول القانونية حتى يطبق القانون على النحو الصحيح. أخيرا يجب أن نشير إلى أن صورة المحامي التي يحتفظ بها الناس هي صورة منقوصة تختزل دوره أمام القاضي في قضايا العقوبات و الجرائم. الحقيقة أن مهام المحامي متعددة و متنوعة تبدأ من تمثيل موكله أمام القضاء و جهات الإدارة مرورا بالمشورة القانونية في أغراض الحياة المختلفة و تحرير العقود و إنشاء الشركات و التحكيم و المصالحة بين المتخاصمين..إلخ. ممارسة مهنة المحاماة تطورت مع الوقت فمن مكتب المحامي الفرد الذي يقوم بكافة أنواع القضايا و يحرص على علاقة شخصيه بموكله تماما كطبيب العائلة في الأفلام الأبيض و أسود، بدأ المحامون في التخصص شيئا فشيئا فتجد محامي الشركات و البيوع و محامي الجنايات و محامي حقوق الملكية الفكرية و محامي الضرائب و التشريعات المالية و محامي الأحوال الشخصية و الأسرة..إلخ. كذلك بدأت تتكون شركات لممارسة مهنة المحاماة و هو أمر شائع خاصة في دول النظم الاقتصادية و القانونية المستقرة حيث يكون لشركة المحاماة فروع في مدن و عواصم مختلفة في العالم قد يصل عدد المحامين المشتغلين في بعضها إلى ما يزيد عن 500 محامي فضلا عن المساعدين القانونيين و الإداريين.

المحاكم الاقتصادية خيار و فقوس

تكرر الدساتير الحديثة قولا مأثورا مفاده أن الناس أمام القانون سواسية. و اعمالا للعدل تنظم قواعد المحاكم و السلطة القضائية و قوانين المرافعات أنواع المحاكم و درجاتها و اختصاصات كل منها.
في مصر نعرف القضاء الطبيعي بشقيه المدني و الجنائي و الذي تتعدد درجاته(محاكم جزئية، ابتدائية، استئناف و أخيرا النقض) بجانبه يقوم القضاء الإداري بفض المنازعات الإدارية في محاكمه( الإدارية، مجلس الدولة، الإدارية العليا) و هناك نظام استثنائي للمحاكم العسكرية.
حديثا علت بعض الأصوات تنادي بانشاء محاكم اقتصادية تختص بفض المنازعات التجارية و منازعات الاستثمار. بطء اجراءات التقاضي و عدم تمرس القضاة و قلة خبرتهم في فهم طبيعة المنازعات التجارية هي حجج تساق لتبرير المطالبة بهذه المحاكم. أثار حكما حديثا لمجلس الدولة- للأسف لم يتح لي الاطلاع عليه- اللغط مجددا حول هذا الأمر.
هناك أمور و اعتبارات بديهية يفترض أن يحيط بها طلبة كلية الحقوق تبدو غائبة في خضم هذا التنازع بين مؤيد و معارض للمحاكم الاقتصادية. من هذه الاعتبارات حسابات الكلفة و الاقتصاد.
لاشك أن التقاضي هو أحد دعائم استقرار النظام و سيادة القانون و شيوع العدل. لذا يتكلف الممول الضريبي –المواطن- الكثير في سبيل انشاء نظام قضائي يجيب حاجة المجتمع ككل إلى فض المنازعات. يحدد المشرع –مجلس الشعب- الهيكل القضائي و القوانين التي تسيره آخذا في الاعتبار تطلعات الشعب و آماله من ناحية، و قدرة الدولة المالية عندما يقرر موازنة الحكومة من ناحية أخرى.
إنشاء المحاكم أمر مكلف و يحمل الخزانة العامة و المواطن كلفة يجب أن ينظر إليها بعين دقيقة للوقوف على مدى توافق الغرض من الصرف مع المصلحة العامة. كلفة إنشاء المحاكم لا تتوقف عند إقامة الأبنية و قاعات التقاضي و لكنها تشمل إعداد القضاة و تدريبهم، تهيأة المحاكم و تجهيزها و تأثيثها و تزويدها بموظفين يجب تدريبهم لمعاونة القضاة.
في ظل أداء اقتصادي صعب كالذي تعيشه مصر يجب أن نفكر بشكل جيد في هذا الأمر و ألا ننساق وراء مطالب رجال الأعمال و الاستثمار دون وعي.
يجب أن نضع في الاعتبار أن الحلول التي يجب طرحها لا تفيد قلة أو فئة على حساب الجميع. إذا يجب أن يكون الحل أشمل و أعم و ذلك بالرغبة و العمل الجدي على إعادة الثقة إلى القضاء لمصلحة الجميع.
فكرة إنشاء محاكم اقتصادية لا تقدم بالضرورة نفعا كما قد يظن البعض. فرنسا مثلا و هي تأخذ بنظام المحاكم التجارية تعاني رغم خبرة قضاة هذه المحاكم من بطء إجراءات التقاضي – تقوم هذه المحاكم على انتخاب قضاة غير مهنيين و إنما أناس من ذوي الخبرة و المعرفة بأغراض التجارة-
فكيف سيكون الحال في مصر و كل ما يحيط بالقضاء يحتاج إلى مراجعة و اصلاح و نظم الانتخاب التي يحدد مسارها العنف و البلطجة! هب أن لدينا محاكم اقتصادية و بعد البت في الحكم يأتي الدور على تنفيذ الحكم لنصطدم بمشكلة تنفيذ الأحكام و هي مهمة صعبة للأسف يتسلح لها الناس في مصر بالمعارف و السلطة بعيدا عن القانون.
فضلا عن ذلك فإن مسألة بطء العملية القضائية أمام المحاكم الاقتصادية لا تبدو محسومة إذ يجب أن ننتظر كما كبيرا من طعون عدم الاختصاص و الجدل حول تكييف التاجر أو العملية بالتجارية و الاقتصادية حتى مع افتراض نص تشريعي صارم و واضح.

أعتقد أن قواعد الاجراءات و المرافعة و تنفيذ الأحكام بحاجة إلى إعادة تنظيم شامل يأخذ في الاعتبار معايير الكفاءة و الكلفة. عمليا في الوقت الحالي لا حاجة لإنشاء محاكم اقتصادية، يجب أن نبدأ؛
أول: باعادة توزيع الاختصاص و تنظيم دوائر مختصة داخل كل محكمة
ثانيا: تأهيل القضاة و تدريبهم بشكل جيد. بل يجب دراسة تكوين مدرسة للقضاة تعتمد الامتحان و التدريب بدلا من وسطات الأهل و المعارف كما هو شائع للالتحاق بالنيابة.
ثالثا: تدريب معاوني القضاة و يفضل أن يكون لهم تكوين قانوني – هناك مدراس لإعداد مساعدين قانونيين مثل مدارس التجارة و الصنائع- هذا يضمن سقفا محددا للخبرة و المعرفة القانونية و يزود المساعد القانوني بالأدوات و الملكات المطلوبة للقيام بمهامه بشكل لائق، مثلا استخدام الكمبيوتر و الانترنت، القدرة على تدوين جلسات المحاكم الكترونيا إدارة الملفات القانونية، المراسلات القانونية و قواعد الاتصال بأطراف التقاضي من قضاة و محامين و أطراف الدعوى.
رابعا: تزويد المحاكم بالأجهزة الحديثة و توفير آليات نشر الأحكام القضائية الكترونيا و اتاحتها مجانا.
خامسا: تفعيل إدارات الجبر و تنفيذ الأحكام تحت إشراف قضائي متخصص و مباشر.
أعتقد أن مثل هذه الخطوات لن تهدر اعتبارات الكلفة و سترفع كفاءة العملية القضائية لخير الجميع من المواطن العادي المطحون إلى رجل الأعمال و المستثمر المزعوم.
وللحديث بقية!