Friday, June 10, 2005

موقع التشريعات المصرية

سعدت بالأمس حين وقعت مصادفة علىموقع تشريعات. معرفتي بهذا الموقع تعود إلى بدايات تجربته حين كنت أعمل في مكتب محاماة كان وكيلا للشركة القائمة على المشروع. كان آخر عهدي بالموقع فشل التجربة نتيجة عوامل مختلفة مثل التمويل و فقر استخدام الانترنت و قواعد البيانات من قبل رجال القانون. سررت بعودة الموقع للعمل و تقديم الخدمات مرة أخرى.
استهل هذا المدونة بأن أقر بإحدى سيئاتنا في التعامل مع واقعنا، ألا و هي فقدان القدرة على استبصار المحاسن و تعيين الايجابي وسط أكوام من السلبيات التي لا نرى سواها. هذا المسلك له مخاطر كثيرة، لعل أبرزها أنه يسلمنا إلى اليأس و اليقين بحتمية الفشل و التخلف. كنت و لا أزال أكرر على أن فتات الخير هو زاد التغيير و قوت التقدم. أعتقد أنه من الفرائض المهمة في بحثنا عن التقدم في المجال القانوني كما في غيره من المجالات أن نشيد بالخير و الصواب مهما قل شأنه و أن نعيره الاهتمام و العناية اللازمين.
بيد أن هذا المسلك لا يعني أن نكف عن التوجيه و الانتقاد أملا في مزيد من التحسن و استشوافا لوفرة من التقدم و القوة.
عملا بمضمون هذا الاستهلال و رغم فرحتي بعودة موقع تشريعات لتقديم خدماته، فقد تفقدت موقع تشريعات و تصفحت أركانه المختلفة، و كانت لي الملاحظات التالية:
- يقدم الموقع باقة من التشريعات التي أصدرها مجلس الشعب تحت قسم قاعدة التشريعات المصرية تجد المقدمة التالية " البحث بعدة طرق في التشريعات كما نشرت بالوقائع المصرية و الجريدة الرسمية، تحتوي على بيانات وصور جميع درجات التشريع ونصوص التشريعات الرئيسية" ثم عبارة "اشترك الآن"
لا يخفى على من درس القانون أن هذه القوانين و التشريعات كما نشرت بالجريدة الرسمية تقع فيما يطلق عليه اصطلاحا الدومين العام. أي أنها ملك الشعب.
في النظم التي يتقدم فيها القانون ليحتل مكان الصدارة و يقود البلاد إلى التقدم تتخذ أجهزة الحكم و سلطات الدولة التنفيذية الاجراءات اللازمة لتيسير سبل الاطلاع و العلم بالقوانين السارية. هذه الخدمات تقدم مجانا عن طريق مجموعات القوانين المتوفرة بكافة المكتبات العامة و المكتبات الملحقة بالمحاكم و نقابات و جمعيات المحامين و كليات الحقوق و مراكز البحث و الدراسة. ثم مع توفر الانترنت اضطلعت هذه الأجهزة بتوفير القوانين و المعاهدات على المستوى الوطني. هذا مع عهدته في اقامتي في فرنسا و كندا. انظر مثلا موقع التشريعات الفرنسي و هو موقع تقدم خدماته الحكومة الفرنسية بشكل مجاني كما تدلل عبارة تحت عنوان الموقع مؤكدة على كونه موقع خدمة عامة. انظر ايضاموقع التشريعات في كندا و هو موقع تشرف عليه مؤسسة غير ربحية أسسها اتحاد العاملين بالقانون. لكن هذا لم يمنع الحكومة الكندية من القيام بواجبها أولا و عدم الاعتماد على مبادرات خاصة فستجد مثلا موقع الحكومة الكندية و و موقع التشريعات الكندية بلغتي البلد الرسميتين الفرنسية و الإنجليزية.
أعود إلى موقع تشريعات المصري، أزعجني أن الموقع يقدم على ما يبدو خدمات الاطلاع على التشريعات نظير مقابل مادي بعد التسجيل،-لم أتأكد بعد من قيمة المقابل بالتحديد حيث تقدمت بطلب التسجيل و لم يتم الاتصال بي بعد- أعلم أن لرفع البيانات الكترونيا على شبكة الانترنت كلفة كبيرة و أنها تحتاج إلى جهد في التنظيم و الادارة. لكن هذا ليس سببا لأن تكون مثل هذه الخدمة نظير مقابل مادي. كيف تريد الدولة أن يحترم أفرادها القوانين دون أن يكونوا على علم بمضمون القانون؟ إن اعلام أجهزة الحكم للأفراد و المواطنين و العاملين بالقانون هو واجب من واجبات الدولة الحديثة و احدى مسئولياتها الهامة في تحري احترام القانون. و الدولة إذ تقوم بهذا فإنها ترتكز على مواردها التي تخصصها لوزارة العدل. كذلك يتعين على الدولة أن تخصص للمحاكم مبالغ و امكانيات بشرية و مادية للقيام على نشر أحكام القضاء. الخلاصة في هذه النقطة أن القوانين هي ملك الشعب يجب اطلاعه عليها دون أن يتحمل عبئا ماديا، كذلك بالنسبة لأحكام القضاء التي يجب نشرها طبقا لمبدأ علانية القضاء.
قد يجيب البعض أن ثمة مواقع تقدم خدمات الاطلاع على القوانين و المشروعات و أحكام القضاء بجانب الدراسات الفقهية، و هي تتقاضى مقابل هذه الخدمات اشتراكات بل و تعد اشتراكاتها باهظة الثمن.
أرد على ذلك بالقول أنه يكفي الاطلاع على هذه الخدمات و هذه المواقع لمعرفة سبب هذه الاشتراكات الباهطة. السبب هو أن هذه المواقع تقدم خدمة و إضافة حقيقية. فالقوانين و مشروعاتها و أحكام القضاء تقدم في هذه المواقع ليست في حالتها الأولى و إنما معلقلا عليها من الفقه و أساتذة القانون، كما تعقد بعضها دراسات مقارنة بين تشريعات الدول. إذن المبالغ التي تتقاضها هذه المواقع- و هي شركات خاصة- تكون مقابل خدمة إضافية. و هي خدمة تأتي متوازية لإلتزام أجهزة الحكم بالقيام بدورها أولا في الاعلام و نشر القانون و أحكام القضاء.

- الملاحظة الثانية هي فجيعة و نهج بغيض -يدعو للأسف و الحيرة- يجب الانتباه إليهما سريعا. تقدم الشركة القائمة على المشروع نفسها من خلال صفحة كتبت باللغة الانجليزية فقط. انتبه أيها القارئ فالممول الأكبر لنشاط المشروع أجهزة حكومية مصرية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء المصري "من خلال صندوق العاملين" و وزارة العدل "من خلال صندوق أبنية المحاكم"). إذا كانت لغتنا طبقا للدستور هي اللغة العربية، و إذا كانت لغة التقاضي أمام المحاكم المصرية هي اللغة العربية فأي حكمة وراء هذه السياسة اللغوية التي يعمل بها الجهاز الحاكم و السلطة التنفيذية؟ هل يخاطب جهاز الحكم باللغة الانجليزية شعب مصر الذي بالكاد يفقه نصفه لغته العربية نتيجة الأمية و طبقا لأي قانون أو دستور هو يفعل ذلك إذن؟
قد يرد البعض أن مسلك الادارة مرده إلى جذب المستثمر الأجنبي. و الرد على ذلك لا يكل في معرفته الحصيف. فما هو دور رجال القانون و المحامين إذن؟ أليس هذا من مجال عملهم؟ تقديم الاستشارات و الخبرات و ترجمة القوانين و الأحكام للمستثمر الأجنبي. حتى لو أرادت الادارة أن تقدم مزيد من الخدمات للمستثمر فإن عليها أولا أن توفي المواطن المصري حقه في خدمات الدولة بلغتها التي نص عليها الدستور قبل أن تقدم خدمات اضافية للأجنبي.
يبدو هذا المسلك شاذا و غريبا. فقط للتوضيح. في الولايات المتحدة الأمريكية استثمارات سعودية عظيمة جدا و أرقامها تتعدد أصفارها على اليمين. مع ذلك لن تحصل على مواقع الخدمات القانونية و قواعد بيانات التشريعات الأمريكية لأي قانون باللغة العربية. نعم قد تقدم دول أخرى خدمات الاطلاع على التشريعات بعدة لغات غير لغتها مثلما هو الحال في فرنسا حيث يقدم موقع تشريعاتها خدماته بلغات أخرى غير الفرنسية كالأسبانية و الإنجليزية، لكنها تفعل ذلك أولا بلغتها التي نص عليها الدستور و التي هي لغة التقاضي بها ثم تفسح المجال لترجمات هذه القوانين فيما بعد.

- الموقع لا يزال جديدا و هو يحتاج إلى جهد كبير لتحسين و تقديم الخدمات. سعدت بدورية الموقع الشهرية.
- هناك أفكار مهمة، لكن على الموقع أن يفرق بين ما يقدمه من خدمات إضافية و هذه يحق لادارة الموقع أن تتقاضى أجرا عنها و بين ما يقدمه الموقع من نصوص قوانين و أحكام قضاء ينبغي أن تكون ملكا مشاعا و يقتصر تقاضي مقابل مادي على التعليق على القوانين و الأحكام من أساتذة القانون.
- أقترح على الموقع الاستعانة بطلاب كليات الحقوق في جامعات مصر على أساس عمل نصف وقت كباحثين و مساعدي بحث خلال دراستهم القانونية. هذا الأمر قد يحقق مصلحة مشتركة للموقع و للطلاب الذين هم بحاجة إلى صقل معرفتهم القانونية و تنمية مهارات البحث و الصياغة.
- بالنسبة لفكرة الاشتراكات من المهم الأخذ بيد طلبة القانون و مساعدتهم على الرقي بمستوى البحث و الدراسة من خلال تقديم اشتراكات مجانية لطلبة الحقوق و ذلك عن طريق كلياتهم. الحقيقة هذه الفكرة أخذتها عن عدة مواقع كندية تتيح لطلبة الحقوق الحصول على اشتراك مجاني خلال فترة دراستهم الجامعية و يتم ذلك عن طريق مكتبات كليات الحقوق التي لها بالطبع اشتراك في هذه المواقع. حيث يتأكد الموقع من كون الشخص طالبا مقيدا في كلية حقوق كذا و سنة تخرجه ستكون كذا و ينتهي هذا الاشتراك المجاني فور تخرجه.
هذه بعض أفكار و ملاحظات. مرة أخرى أكرر ساعدتي بالموقع خاصة و أنه سيتيح لي الاطلاع على جديد القانون في مصر من على بعد.

0 Comments:

Post a Comment

Subscribe to Post Comments [Atom]

<< Home