بمناسبة كأس العالم أثير في العالم العربي موضوع البث الحصري لمباريات كأس العالم لصالح شبكة تلفزية عربية و كان لي
تعليق دونته في حينه.
اليوم في معرض قراءتي اليومية على الانترنت توقفت أمام خبر يقول
احتكار المونديال ليس حراما. بعد أن استرددت عقلي من دهشته رأيت أن أدون ما يلي.
الحديث عن المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية يتجدد و بقوة خلال العقود الأخيرة ليس في مصر وحدها و إنما في سائر الأقطار العربية و الإسلامية. أمام هذه المطالبة تتباين ردود الفعل بين الفهم و الجهل و الخوف و التحامل و الكراهية.
سألني أستاذي المحامي في أوائل ممارستي لمهنة المحاماة عن رأيي في ما يدرس في كليات القانون في مادة الشريعة الإسلامية و علاقته بالتجديد الإسلامي و الاجتهاد.
وقتها قلت له أني أرى ما يدرس في هذا المبحث يحتاج إلى مراجعة و تنقيح بشكل عاجل لأنه لا يساير العصر بالمرة.
الشريعة لفظة تحتاج إلى تعريف حتى أوضح مقصدي. أنا لا أتحدث هنا عن العقيدة و لا عن العبادات. ما أقصده هو جانب المعاملات وهو الجانب الذي تتصل فيه الديانة الإسلامية أكثر ما تتصل بالتقنين بمعناه المعاصر.
هذا الجانب يفترض في القائم عليه إلماما بواقع الحال و فن الصنعة التي يتعلق بها التقنين. أضرب مثلا على ذلك
بالإمام أبي حنيفة رحمه الله إذ كان تاجرا
خبيرا بالسوق و المعاملات التجارية لذا كانت فتواه و أراؤه في البيوع و العقد التي دونها تلامذته مثل القاضي أبي يوسف و غيره من أروع ما يكون في عصره.
لكن ما يحدث الآن هو تحول رجال الفتوى إلى منابر يطلب منها أن تصدر رأيا -نسميه ربما خطئا رأي الدين- في مسائل متنوعة و متشعبة لا يدرك بالمرة تفاصيلها و لا أصولها و لا دقائقها هؤلاء الشيوخ المترهبنين –على خلاف الفقهاء الأوائل أرباب الحرف و الصناعة و التجارة- العاكفين على دراسة مراجع الفقه المدون في عصور رائعة مضت لكنها ..تاريخ نتعلم و نستفيد منه لكنه لا يجب أن يحكم حياتنا اليومية في مسائل متجددة.
هؤلاء الشيوخ للأسف غائبون عن الواقع الحقيقي الذي يعيش فيه الناس. غائبون عن متاهات الصناعة و التجارة الدولية المعقدة و الخبرات التعاقدية المركبة التي تحتاج إلى دراسة محكمة و ممارسة منتظمة لإلمام ببعض تفاصيلها. لذا أراؤهم المسماة فقهية -فقط لأنها طعمت ببعض القرآن و الحديث و نقلا عن مدونات فقهية تاريخية عظيمة- تأتي في غالب الأحيان غير متصلة بالواقع و حقيقته و غير مدركة لأبعاد كثيرة من المسألة.
أنا لا أحمل الشيخ القرة داغي قولا لم يقله، فهو لم يقل أن رأيه هو رأي الإسلام بل إنه كان يرد على رأي آخر يخالفه للدكتور البيومي. كلاهما مع كامل الاحترام عالمين جليلين لكن خبرتهما بالعقود و قوانين الاحتكار و الأبعاد المتصلة بها تجعل رؤيتهم قاصرة و غير راشدة في هذا المجال.
الاحتكار ليس فقط في الطعام كما يشير الشيخ داغي و لكن الاحتكار في الطعام و الملبس و السلع و الخدمات كافة بل في العلم و الثقافة كذلك و تحاربه النظم الراشدة من خلال ما اصطلح عليه الفقه الفرنسي و الأوروبي المؤيد له
بالاستثناء الثقافي. هذا هو الطرح الحالي و المعايش للواقع و هو الذي يدرس في دول الشمال في
مساقات بحث تنظيم السوق والمنافسة وعدم الاحتكار.رؤية الشيخ القرة داغي تمهد الطريق لمزيد من احتكارات في العالم العربي في شبكات التليفون و المواد السمعية و البصرية و المقرؤة. لاحظ أننا بالفعل نعيش احتكارات عديدة في ظل غياب أصول و قواعد قانونية ضابطة. بل إنها – أي رؤية الشيخ- قد توفر سندا لمحتكر السلطة طالما أطعم شعبه الفتات.
هذه التدوينة ليست ضد البث الحصري في حد ذاته و لكنها مع وضع ضوابط قانونية واضحة شفافة في معايير تخصيص الحقوق الحصرية و إنشاء هيئة مستقلة للقيام بهذه المهمة كما أشرنا في
تدوينة سابقة. هذه التدوينة ليست ضد الشريعة كما عرفتها سابقا. فالمعاملات في الإسلام أكثر المجالات سعة للتجديد و تنمية الاتصال الحقيقي بين الشريعة و القانون و الحياة المعاصرة. لكنها مهمة صعبة تحتاج إلى علماء تجار و أطباء و طبيعين و فلكيين..الخ للقيام بها كما فعل السابقون.
تحديث
قرآت اليوم عن تنظيم الفتوى!!