Monday, June 25, 2007

نظرات في ملفات اصلاح القضاء

تعالي كثير من الحديث عن الاصلاح في مصر و تناول المتحدثون باستفاضة الاصلاح السياسي. غير أني آثرت الحديث عن اصلاح القضاء. ليس فقط من الناحية التي اقترب منها البعض العام الماضي إبان ما سمى حينها بانتفاضة القضاة أملا في أن يتحقق اشراف حقيقي على العملية الانتخابية و هي نظرة في رأيي قاصرة و أنانية. قاصرة لأنها ظنت أن اشرافا قضائيا وحده قد يأتي بانتخابات أكثر تعبيرا عن صوت العامة، و أنانية لأنها اهتمت بجني ثمار لغرض العملية الانتخابية دون اهتمام باصلاح شامل يضمن قضاءا عادلا و نزيها لكافة المتقاضين و ليس فقط لصالح المرشحين و أغراضهم.

ملاحظات أولية
أولا القضاء لا يعني فقط قضاة فوق المنصة و إنما يبدأ القضاء بدراسة القانون و استيعابه و فهم البعد الإنساني و الاجتماعي للاشتغال بالقانون. و هذا يتطلب اختيارا أصلح لدارسي القانون و منهجا أكثر دقة و إلماما بعلوم القانون و مهاراته في إطار من الوعي و الشعور الإنساني النبيل.
ثانيا لا يستقيم القضاء الجالس- قاضي المنصة- إلا باستقامة القضاء الواقف- المحامي- و استقامة الأخير أقصد بها ضبط الالتحاق بهذه المهنة بمعايير تضمن كفاءة المتقدمين و صلاح ضمائرهم ليس عن طريق اختبارات أخلاقية و إنما بتطوير القوانين و القواعد المهنية أو ما يعرف بأخلاقيات المهنة و تطبيق التفتيش المهني و المراجعة و توقيع الجزاءات المهنية و القانونية بغير محسوبية أو تجاوزات.
ثالثا تصحيح مسار و ترشيد دور نقابة المحامين و تحديد رسالتها. إذ لا ينبغي أن تتحول النقابة إلي منبر سياسي لهذا الفريق أو لذاك فتلعب دور حزب سياسي. لا بد من أن تقتصر رسالتها على تنظيم المهنة و متابعة تطوير أداء المحامين و الحفاظ على مصالح الجمهور و حقهم في خدمات قانونية طبق معايير و قواعد المهنة و تلقي شكاوي الجماهير و أخيرا القيام بدور استشاري من حيث التقدم و عرض طرق و أساليب رفع مستوى الأداء و الكفاءة بالتشوار مع الجهات التشريعية و التنفيذية.
رابعا تحديث حزمة قوانين التقاضي و الاجراءات القضائية بغرض توحيدها و تبسيطها.
خامسا و أخيرا، إجابة المطالب المنادية بتحديث قانون السلطة القضائية و ضبط اعتبارات القبول و تنقيتها من المصالح و المحسوبية و اتمام استقلال القاضي و تحديد العلاقة بإزاء السلطات التشريعية و التنفيذية.
في مرات سابقة تناولت بعض من هذه الملاحظات لذلك سأقتصر هنا و في تدوينات لاحقة على عرض ما لم نفصل فيه من قبل.

 


لنبدأ بدراسة القانون. أهمية الدراسات القانونية تتمثل في أنها تزود المجتمع برجال يفقهون القانون باعتباره الاطار العام الذي ينظم مسارات و علاقات مجتمع يسعى للعدالة و ازدهار و رفاهية أفراده. فغياب القانون و خاصة العادل منه ينطوي على مدخل خطير للفساد و ظلم الضعيف. فالقانون في صورة أكثر واقعية يرسم حياتنا اليومية، فهو مثلا ينظم قواعد العمل و يقدم منظومة التعويض عن الضرر و الاصابة و يشكل قواعد العلائق الأسرية و ابرام العقود و البيوع و يدبر وسائل مكافحة الجريمة و معاقبة مرتكبيها و يضع حدود السلطات و دور الإدارة.
إن مسئولية استمرار حيوية القواعد القانونية و قدرتها علي الاستجابة لمتطلبات المجتمع المتجددة هي مسئولية مشتركة بين السياسي المنتخب الذى يختار القاعدة القانونية واجبة التطبيق باعتباره ممثلا للشعب و السياسي المنفذ باعتباره أمينا مسئولا أمام ممثل الشعب هذا من ناحية، و بين رجل القانون قاضيا أو محاميا باعتباره ممثلا للعدالة و أمينا على تفسير القانون و حسن فهمه و تطويره من ناحية أخرى.
لذلك ليس غريبا أن تتسم دراسة القانون بالإثارة الفكرية، إذ أنها دراسة تتطلب جهدا فكريا حقيقيا لا يعتمد كما يظن الكثيرون على قدرات استثنائية على الحفظ عن ظهر قلب. بل هي أقرب إلي مهارات التفكير و التحليل النقدي و القدرة على تقديم حلول منطقية. لذلك ينبغي لطالب القانون أن يمتاز بمهارات الاتصال و البيان و القدرة على التفكير المستقل و حب البحث و القراءة و تمكنه من ملكات إجابة أسئلة مهمة و أساسية قد ترسم مستقبل مجتمع أو تمس مصير ضعيف طلب نصرة العدالة و ابتغى دفع الظلم عنه.
لذا كان من الطبيعي أن تكون دراسة القانون محل اعتبار و تقدير و هو تقدير يمتد إلي دارسي القانون. إذا كان هذا الوضع لا يزال كائنا في مجتمعات عدة، فإنه للأسف لم يعد كذلك في مصر. فطالب القانون في جامعات مصر منذ عقود، هو ذلك الطالب الذي دفعه قليل اجتهاده في الثانوية العامة أو حظه العاثر على أن يجد نفسه في كلية ينبغى على خريجيها أن ينظموا قواعد مجتمع المستقبل و ذلك دون أدنى اختيار من جانبه و بغير أن تتوفر فيه بالضرورة ملكات تؤهله لمواجهة هذه الدراسة التي تتطلب الكثير من الجهد و الوقت.
بالتأكيد الأمر لا يحتاج إلى بيان حالة فهو لا يخفي علي أحد.إذن لعله من الأولى أن نلتفت إلي ما يمكن أن نأخذ به من حلول.
هل نحتاج مثلا إلي أن نتشبه بالنظام الأمريكي الذى يشترط نجاح امتحان معين للقبول في أي كلية حقوق؟ هل يجب أن نشترط قدرا من النضوج يؤهل لهذه الدراسة مثلا سبق الحصول على شهادة جامعية قبل دراسة القانون؟ هل نرفع مجموع القبول في كليات الحقوق؟ هل يحتاج المجتمع هذا الكم الهائل من المحامين و رجال القانون؟ هل يستوعب سوق العمل هذا البحر البشري من المحامين- أحدث احصاء سمعته من الدكتور أحمد محرز يشير إلي رقم يتجاوز أربعمائة ألف-؟
ربما تصلح إجابة هذه الأسئلة للرد على أزمة دراسة القانون في مصر. لكن أضيف حلا أتصوره كالتالي:
نظرا لصعوبة تغيير نظام الثانوية العامة و سعي القاصى و الداني للحصول على شهادة جامعية بغض النظر عن القدرات الشخصية و احتياج المجتمع، قد يكون من الحلول الممكنة تقسيم دراسة القانون إلي قسمين الأول مدته سنتين تتم فيهما دراسة القانون و قواعده العامة دون اسهاب في التفاصيل بنهاية السنتين يعقد امتحان يمنح من ينجح شهادة تؤهله للعمل كمساعد قانوني في مكاتب المحاماة و مكاتب المحضرين و مساعدى القضاء في المحاكم، بذلك نرفع من مستوى كفاءة المحضرين و قدرات مساعدي القضاء.
 القسم الثاني يتيح لمن حصل على مجموع درجات متقدم في القسم الأول أن يحضر بحثا قانونيا قصيرا أو يجتاز امتحان إجازة أو قدرات يكشف مدى تمكنه من الملكات القانونية و قدرته علي نجاح القسم الثاني. يستمر من اجتاز هذه الإجازة في دراسة القانون بشكل أكثر تفصيلا و دقة، كما يتم التركيز في هذه المرحلة على مهارات البحث و الصياغة و المرافعة و المفاوضة و إدارة أعمال المحاماة. شهادة المرحلة الثانية تؤهل من يجتازها للانضمام لنقابة المحامين و العمل بالمحاماة أو القضاء أو استكمال دراسات عليا في القانون و فروعه.

...نستكمل لاحقا

4 Comments:

Blogger ألِف said...

فعلا؛ توجد جزئيتينان، في رأيي، اسمح لي أن أعيد صياغتهما لأفكر معك:

التعليم: كما أشرتَ، و هذا أرى أن إصلاحه جزء من إصلاح التعليم ككل، بالتخلص من نظام التنسيق و الاضطرار إلى دخول الكلية في خلال مدة معينة بعد الثانوية و كل تلك العيوب.

هذا غير مرجح في ظل عد الدولة التعليم الخاص مخرجا لها يزيح عنها هذا العبء و في ظل عدم الفصل بين ملكية المؤسسات التعليمية و إدارتها، و عد ملاك المؤسات مستثمرين يريدون استرجاع استثمارهم و تحقيق ربح. ما لم ينصلح هذا النظام...

النظام: إصلاح السلطة القضائية و تهيئة العنصر البشري و وضع السبل ليراقب القضاة أنفسهم و لتراقبهم السلطات الأخرى في الدولة. يعني إصلاح شامل.

12:47 PM  
Blogger Hazem said...

ألف

أعتقد أن مسألة التعليم الخاص يتوقف قبولنا لها على رؤيتنا الكلية لدور الدولة و مدى تقديرنا للمبادرة الفردية. ربما أستشف من كلامك اتفاقك معي على أن التعليم الخاص في حد ذاته ليس شرا كله. تقيمنا للتعليم الخاص ينبغي أن يكون في كيفية إدارته و الغرض منه. بمعنى أن أعرق الجامعات في العالم و أكثرها انتاجا و كفاءة هي جامعات خاصة بمعنى أن الدولة لا تملكها و لا تتدخل في تعيين أعضائها . هذه الجامعات تعتمد في تمويلها على مصروفات ٌإلي حد كبير مرتفعة -يمول الطلاب دراستهم في هذه الحالة عن طريق المنح الدراسية و القروض من البنوك و قد تتولى الدولة من خلال برنامج قروض و منح مساعدة الطلاب في سداد المصروفات الدراسية-
كذلك تمول الجامعات ميزانيتها عن طريق العطايا و المنح التي يقدمها الأثرياء و المؤسسات و الشركات، بالإضافة لهذا كله تمول الدولة عن طريق المنح و برامج البحث هذه الجامعات. و رغم اعتمادها الكبير على المنح و العطايا إلا أنها تحافظ على استقلالها و إدارتها من جانب أساتذة منتخبين من بين أقرانهم و هي ترسم سياستها التعليمية بشكل يوازن بين تطوير البحث و العلوم من ناحية و متطلبات سوق العمل و الحياة الاقتصادية و الاجتماعية من ناحية أخري.

1:51 PM  
Blogger ASSAD EBN ELFORAT said...

لاصلاح كليات الحقوق يجب ان يكون مجموع الطالب في الثانونية العامة مرتفعا وتقديراته مرتفعه حتي يستطيع ان يسلك في الدراسة بالكلية وانت تعلم ان اصحاب المجاميع الضعيفه تكون من انصبتهم كليات الحقوق بدلا من المعاهد ذا الدراسة المتوسطة اذا كنا جادين في مجتمع قانوني محترم واقصد بذلك كل من يعمل في هذا المجال من محامين واعضاء نيابة وقضاء ان يكون الدارسون من الاذكياء ويجب تغيير المناهج لتقوم علي الفهم وليس الحفظ ويجب علي الطالب ان يناقش لا ان يحفظ ويجب اخيرا ان يكون للدارس رأي حتي ولو كان مخالفا لرأي الدكتوزر كاتب هذا التعليق محام

3:37 PM  
Blogger ألِف said...

"أستشف من كلامك اتفاقك معي على أن التعليم الخاص في حد ذاته ليس شرا كله"

صحيح. أنا لست ضد التعليم الخاص، بل معه لأسباب الإتقان و كفاءة الإدارة و تقليل الفساد و التجويد الناتج عن التنافس، لكني ضد اتحاد الملكية/التمويل مع الإدارة/الأمانة في ذات الجهة في المؤسسات التعليمية.

في حالة تطابق الملكية مع الإدارة تنتفي أفضليات التعليم الخاص لأن من الطبيعي أن مصلحة المالك/المدير تقضي بقبول و تخريج أكبر عدد من الطلاب بأكبر مجموع/تقدير لكل منهم. يمكن وصف ذلك بمصطلحات الاقتصاد بأنه "تضخم في الشهادات" إذ تتحول الشهادة إلى مجرد ورقة مطبوعة.

لست مع رأي أسد بن الفرات، لأني لا أرى أن تكون الثانوية العامة المحدد الأوحد "لمصائر" الطلاب. بل أن يكون لكل كلية امتحان قبول.

8:44 AM  

Post a Comment

Subscribe to Post Comments [Atom]

<< Home