Sunday, June 18, 2006

مباريات كأس العالم و الشريعة

بمناسبة كأس العالم أثير في العالم العربي موضوع البث الحصري لمباريات كأس العالم لصالح شبكة تلفزية عربية و كان لي تعليق دونته في حينه.
اليوم في معرض قراءتي اليومية على الانترنت توقفت أمام خبر يقول احتكار المونديال ليس حراما. بعد أن استرددت عقلي من دهشته رأيت أن أدون ما يلي.
الحديث عن المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية يتجدد و بقوة خلال العقود الأخيرة ليس في مصر وحدها و إنما في سائر الأقطار العربية و الإسلامية. أمام هذه المطالبة تتباين ردود الفعل بين الفهم و الجهل و الخوف و التحامل و الكراهية.
سألني أستاذي المحامي في أوائل ممارستي لمهنة المحاماة عن رأيي في ما يدرس في كليات القانون في مادة الشريعة الإسلامية و علاقته بالتجديد الإسلامي و الاجتهاد.
وقتها قلت له أني أرى ما يدرس في هذا المبحث يحتاج إلى مراجعة و تنقيح بشكل عاجل لأنه لا يساير العصر بالمرة.
الشريعة لفظة تحتاج إلى تعريف حتى أوضح مقصدي. أنا لا أتحدث هنا عن العقيدة و لا عن العبادات. ما أقصده هو جانب المعاملات وهو الجانب الذي تتصل فيه الديانة الإسلامية أكثر ما تتصل بالتقنين بمعناه المعاصر.
هذا الجانب يفترض في القائم عليه إلماما بواقع الحال و فن الصنعة التي يتعلق بها التقنين. أضرب مثلا على ذلك بالإمام أبي حنيفة رحمه الله إذ كان تاجرا خبيرا بالسوق و المعاملات التجارية لذا كانت فتواه و أراؤه في البيوع و العقد التي دونها تلامذته مثل القاضي أبي يوسف و غيره من أروع ما يكون في عصره.
لكن ما يحدث الآن هو تحول رجال الفتوى إلى منابر يطلب منها أن تصدر رأيا -نسميه ربما خطئا رأي الدين- في مسائل متنوعة و متشعبة لا يدرك بالمرة تفاصيلها و لا أصولها و لا دقائقها هؤلاء الشيوخ المترهبنين –على خلاف الفقهاء الأوائل أرباب الحرف و الصناعة و التجارة- العاكفين على دراسة مراجع الفقه المدون في عصور رائعة مضت لكنها ..تاريخ نتعلم و نستفيد منه لكنه لا يجب أن يحكم حياتنا اليومية في مسائل متجددة.
هؤلاء الشيوخ للأسف غائبون عن الواقع الحقيقي الذي يعيش فيه الناس. غائبون عن متاهات الصناعة و التجارة الدولية المعقدة و الخبرات التعاقدية المركبة التي تحتاج إلى دراسة محكمة و ممارسة منتظمة لإلمام ببعض تفاصيلها. لذا أراؤهم المسماة فقهية -فقط لأنها طعمت ببعض القرآن و الحديث و نقلا عن مدونات فقهية تاريخية عظيمة- تأتي في غالب الأحيان غير متصلة بالواقع و حقيقته و غير مدركة لأبعاد كثيرة من المسألة.
أنا لا أحمل الشيخ القرة داغي قولا لم يقله، فهو لم يقل أن رأيه هو رأي الإسلام بل إنه كان يرد على رأي آخر يخالفه للدكتور البيومي. كلاهما مع كامل الاحترام عالمين جليلين لكن خبرتهما بالعقود و قوانين الاحتكار و الأبعاد المتصلة بها تجعل رؤيتهم قاصرة و غير راشدة في هذا المجال.
الاحتكار ليس فقط في الطعام كما يشير الشيخ داغي و لكن الاحتكار في الطعام و الملبس و السلع و الخدمات كافة بل في العلم و الثقافة كذلك و تحاربه النظم الراشدة من خلال ما اصطلح عليه الفقه الفرنسي و الأوروبي المؤيد له بالاستثناء الثقافي. هذا هو الطرح الحالي و المعايش للواقع و هو الذي يدرس في دول الشمال في مساقات بحث تنظيم السوق والمنافسة وعدم الاحتكار.
رؤية الشيخ القرة داغي تمهد الطريق لمزيد من احتكارات في العالم العربي في شبكات التليفون و المواد السمعية و البصرية و المقرؤة. لاحظ أننا بالفعل نعيش احتكارات عديدة في ظل غياب أصول و قواعد قانونية ضابطة. بل إنها – أي رؤية الشيخ- قد توفر سندا لمحتكر السلطة طالما أطعم شعبه الفتات.
هذه التدوينة ليست ضد البث الحصري في حد ذاته و لكنها مع وضع ضوابط قانونية واضحة شفافة في معايير تخصيص الحقوق الحصرية و إنشاء هيئة مستقلة للقيام بهذه المهمة كما أشرنا في تدوينة سابقة. هذه التدوينة ليست ضد الشريعة كما عرفتها سابقا. فالمعاملات في الإسلام أكثر المجالات سعة للتجديد و تنمية الاتصال الحقيقي بين الشريعة و القانون و الحياة المعاصرة. لكنها مهمة صعبة تحتاج إلى علماء تجار و أطباء و طبيعين و فلكيين..الخ للقيام بها كما فعل السابقون.

تحديث
قرآت اليوم عن تنظيم الفتوى!!

7 Comments:

Blogger SOLITUDE® said...

جميل جدا كلامك
امبارح كنت واقف مع عمرو المصري بنتكلم في الموضوع ده...وهو مقتنع تماما ان الاحتكار يكون في الطعام فقط..وطبعا انا على النقيض!!

اتفق معك في اننا في حاجة لعلماء يجتهدون وفق منظور العصر الذي نعيشه..لكن الا ترى ان الامر صعب جدا أن يكون العالم صاحب مهنة كما كان في عهد ابو حنيفة؟؟؟
هل تتخيل معي ان يوجد في عصرنا فقيها ويعمل في نفس الوقت محاميا او مهندس او طبيب...الخ
وهل الناس ستتقبل منه الفتاوى..أم يجب أن يكون من اصحاب الزي الديني حتى يكسب ثقة الناس؟!!

9:30 AM  
Blogger Hazem said...

لا ليس صعبا. غاية ما يجب فعله هو أن يتخصص الناس في مجالاتهم و أعمالهم متسلحين بمبادئ الإسلام في المعاملات و هي مبادئ بالأصل تشترك في غالبها الإنسانية تحكمها قواعد حسن الخلق و هو ما جاء الإسلام ليؤكد عليه " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"
لاحظ أن الدور الذي يقوم به الشيوخ المعممون صار من الاتساع بحيث لا نجد له حدودا. شخصيا لا أتذكر أن أحدهم قال في مرة لا أعلم. كأنه من العيب أن لا يفقه في مسألة لا يدرك تفاصيلها أو حتى لم يسمع بها من قبل. بل صار التعامل مع فتواه عابرا للقارات، ملزما للجميع حتى أهل العلم في المسألة. هذا الوضع الغريب على قواعد الإسلام يكرس لوجود رجال دين على الطراز الكنسي في العصور الوسطى.

8:46 AM  
Blogger قلم جاف said...

قلتها وأكررها ، عالم الدين أحياناً - أياً كان مذهبه - يتدخل في اختصاصات كل المتخصصين ، والمتخصصون في علوم الدنيا يقومون بغرابة شديدة بدور الفقيه ، والأكاديمي الأزهري دارس "الفلسفة الإسلامية" هو الآخر يقوم بدور الفقيه ..وكله يقوم بأدوار بعضه البعض!

الحوار والتفاهم بين أصحاب الاختصاصات وبعضها هو رحمة لنا في الأول والأخير.. ربما نصل باجتهادات تراعي ثوابت الدين ومستجدات العصر لما عجز صراع الديوك بين الفقهاء والمتخصصين والمتفذلكين عن إيصالنا إليه!

العزيز الفاضل محمد محرز ، سطورك أوحت لي بالفعل بفكرة تدوينة هامة ..

12:47 PM  
Blogger زمان الوصل said...

هل يمكن "واقعيا" المطالبه بفقيه يعلم من شئون الدنيا الكثير و الكثير قبل أن يفتى !! المثال الذى ذكرته مثلا عن أبى حنيفه كان يتعلّق بمهنته وهى التجاره .. لكن ماذا عن فتاواه فيما يتعلّق بأمور دنيويه لم يكن ضليعا بها !! هل كان يمتنع عن الفتوى انتظارا للإلمام بهذه الأمور

أنا لا أدعو الفقهاء إلى الاستسهال لكن أدعو فقط لوضع الأمر فى إطار منطقى يمكن المطالبه به !! خصوصا أنّى لا أظن الأمر ببساطة


غاية ما يجب فعله هو أن يتخصص الناس في مجالاتهم و أعمالهم متسلحين بمبادئ الإسلام في المعاملات


لأنّنا فقط بهذه الطريقه نعكس الأوضاع .. فبدلا من وجود فقيه متبحّر فى العلوم الدينيه و معلوماته فى العلوم الدنيويه تقترب من الصفر يصبح لدينا من هو فقيه بالأمور الدنيويه و معلوماته الدينيه ليست بالقدر الكافى .. فموضوع الاحتكار مثلا معقّد كما ذكرت فى المدوّنه الاصليه و لا أظنّه يندرج تحت بند "المبادئ العامّه" و بس

وربّما يكون الهدف الذى من أجله انشئت جامعة الأزهر بالأساس هو تخريج فقهاء يجمعون إلى جانب العلم الدينى العلم الدنيوى كذلك

تحياتى على المدوّنه الثريه و شكرا ل "قلم جاف" على التعريف بها

4:08 PM  
Blogger Hazem said...

عذرا لردي المتأخر
أود أن أذكر بآن المسآلة مرتبطة بالاجتهاد و تقنين شروطه إن جاز التعبير
و لنا أن نشير هنا إلى الخطوط الأولى التي وضعها الرسول عليه السلام في حديثه مع معاذ بن جبل
ثم كان العلم بالنقل الشفهي و الاجتهاد العقلي ثم تلا ذلك محاولات لتعريف أصول الفقه و مناهجه. و هي محاولات و دراسات قامت على رفع للواقع الذي مارسه الفقهاء في ذلك الزمان البعيد.
هل لا تزال قواعد الاجتهاد و الإفتاء هي ذاتها منذ ما يزيد على ١٤ قرنا؟
هل يمكن أن يخرج ولي الأمر ليحصر الإفتاء في شيوخ الأزهر دون غيرهم- و هو ما حدث مؤخرا بدعوى محاربة فوضى الفتاوي-؟
قد تبدو القضية معقدة و هي كذلك بالفعل لكن تعقيدها سيكون أيسر إذا ما تبينا المخارج الصحيحة
لعل أولها سعة الصدر
اليقين بأن في الاختلاف رحمة
الفتوى لا تلزم إلا من يعتقد بها
لكل من يعتقد و يظن في نفسه قدرة و علما أن يجتهد و يفتي و للغير حق الأخذ و الرد دون تجريح و لا تكفير
الافتاء كالحكم مسئولية لذا يحسن بمن يقوم بها أن يمارس قدرا عظيما من الحكمة و محاسبة الذات و مراقبتها و التحلي بفضيلة العودة إلى الحق
ادراك الفرق بين الافتاء للأفراد و الافتاء للدولة فإذا كان يجوز للأفراد أن يتشددوا في الأخذ بالأحوط و الأشد فهم و ما يشاؤن. آما الدولة فلها أن تأخذ بالأيسر فهي ترعى الضعيف و الفقير و العاجز و ذي الحاجة و هنا

1:42 AM  
Blogger Hazem said...

كما لها- الدولة- أن تتشدد في مواضع أخرى مثل محاربة الرشوة و المخدرات
و هي بين التشدد و التيسير ترتكز على ما عرفه الفقهاء القدماء بالمصلحة ثم جاء فقهاء القانون بإضافة العامة لتكون المصلحة العامة هي المقياس و ليس مصلحة الحاكم أو مصلحة الغني دون الفقير.

1:49 AM  
Blogger Hazem said...

This comment has been removed by the author.

5:39 PM  

Post a Comment

Subscribe to Post Comments [Atom]

<< Home